أمك تنتظرك هناك في ثالث سطر على يمين الممر الأول في المقبرة ، هناك سوف تقرأ فاتحتين أو قصيدتين وإن بكيت ، ستخرج لك من بين شقوق التراب أفاع مزركشة الأثداء في شعورهن أطواق عاطشة جدا لقبلتين أو أكثر منك ..
وأنثاك ، في غياهب سكرى بانتظارك أيضا ، هناك على رأس القبيلة شمّر لي عن ركبتيك وساعديك ، واخطب في الشعب القبلي ، امرأة بلا أصل وعمان الحبيبة مثلها يا عالم بلا أصل ، والسماء وآدم وحواء وجبريل كلهم دون أصل مثل دم حبيبتي ، شمّر عن قلبك ، ودّع قوافل جبنك ، احصدهم بالأحاديث النبوية وغير النبوية كي تقنعهم أن الأقمار بلا أصل أو فصل والله الغائب نعبده ولم نره مرة يبتسم ..
وسوف تضج من كلامي خائفا ، تعرورق قليلا روحك ، تتذمر قليلا أو تغالب دمعتين يتآمران على عينيك ، لكنك : لغير ما سبب تناولني قلبك .. ونمضي سويا ..
محمود العزامي
أدركت المرأة كمالها أخيرا.
جسدها الميت
يحمل ابتسامة التحقّق.
وهم قدر إغريقي
ينساب بين طيّات ثوبها.
قدماها العاريتان كأنهما تقولان:
كثيرا مشينا. كفى.
على صدرها طفلان ميتان
مقمّطان
حيّةُ بيضاء ملتفّة عند كل إبريق حليب
أصبح الآن فارغا.
طوتْهما من جديد داخل جسمها
مثلما تضمّ وردة بتلاتها
عندما يغزو الخدر الحديقة
وتنزف العطور من حَلْق زهرة الليل العذبة العميقة.
أدركت المرأة كمالها أخيرا
وليس للقمر أي مبرّر للحزن
فهي معتادة هذه الأمور.
فسحاتها السوداء تطقطق وتسحبها.
سيلفيا بلاث

إذا كان هذا هو الفردوس: أشجار، قفير نحل،
صخور. وهذا: قمر أجرد، شهب،
شمس صغيرة. إذا في يديك
كان هذا فردوساً: لحم حسّي،
عظام خفية، عيناك
تنفتحان، فلمَ علينا أن نتكلّم إذاً؟
لم لا نصعد إلى كل يوم كالحيوانات
التي هي نحن في الواقع ونمضي صامتين
إلى أشغالنا الحقيقية: صيد
الماء، والثمار، ولحم الفطر
القليل، نتعثّر عابرين الأعشاب التي ترتفع إلى خصورنا
بلا سبب، نجد ظلاً ونرتاح فيه،
وأطرافنا ممدودة تحت السماء البلامعنى،
نجد عطر العاشق
ونتزاوج بوحشية. إذا كان هذا الفردوس
وكل ما علينا فعله أن نولد ونحيا
ونموت، فلمَ نلتقط العود أصلاً؟
لمَ نرى العجلة في الصخرة؟
لمَ نجلب معنا من الحقول المشتعلة
وعاء مليئاً بالنار ونزعم أنه سحر؟
دوريان لوكس

كثيراً ما يتحدث العاشق عن تعرضه للخيانة من الحبيبة، وغالباً ما تحكي العاشقة تعرضها لطعنة الغدر والخيانة من أقرب الناس
ولكن .... ماذا سيحدث لو اعترف أحدهم أنه هو الخائن؟ وماذا سيحدث لو أن هذا الخائن هو من سيكتب عن مشاعره؟
هذا ...ما لم نعتد عليه ...
***
فيما مضى .. كنت وردة صغيرة ...، أقسمت مع شروق الشمس على الحب الصادق ، وأمسيت على حفظ تراتيل الحب مع هبوط الشمس في البحر
تعلمت حروف الحب، وأتقنت التحدث بهذه اللغة ، حصلت على الشهادات العليا في هذا المجال، وتخرجت بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف في هذا التخصص!
أشبعت روحي الظامئة من ينابيع الحب ...
رفعت يدي اليمنى، وأقسمت في محكمة الحب على كتاب العاشقين، على وهب هذا الحب العذري الصادق إلى روحٍ تعادل روحي في النقاء والصدق
وضعت علامة حظراً على كلمة " الخيانة "، وجردتها من قاموسي ، وقطعت عهداً على نفسي ألا أجمع حروف هذه الكلمة معاً أبدأً " خ ي ا ن ة "
فإن دنست روحي بهذه الصفة، فلتحل أللعنة علي، ولتأبى نفسي الراحة حتى تزفر روحها من الجسد ولو كان ذلك عنوة!
كنت متيقنة أنني لن أخالف هذا الوعد، فأنا بطبيعتي ... أخشى همسات الرياح، يرعبني صوت تلاطم أمواج البحر، وبمجرد أن يلمسني أحد، فإنني انكمش ..وأضم نفسي بنفسي !
كما تضم الوردة أوراقها عندما تلمسها برفق.
تحقق نصف العهد ... ووهبت حبي (( إليه )) وسكبت روحي الصافية في روحه، انسكاب الماء الصافي من دلو قروية تسكن في قرية صغيرة فوق الجبال
ولكن!
لم يدم هذا الحب حتى تخلى عني، وخلّف وراءه قلباً ... تعلم طقوس الحب ودرسها وحفظها عن ظهر قلب، ولكن لم يمارسها حتى الآن ... ولم يبدأ النبض معه
تخلى عني ... بعد أن ارتوى من أنهاري حتى طفح!
في نظري، هو لم يقوم بخيانتي، ولكن تخليه عني ... هو نوعٌ أصنفه تحت كلمة " الخيانة "
انقلبت موازيني، كانقلاب قاربٍ صغير وسط عاصفة هوجاء ..
فبعد كل ما وهبته من مشاعر وأحاسيس
تنكّر لي ونفر مني، نفور الطفل من الوحش الكاسر
وأنا من كنت أظن أنني الأم له ..
بعد ما حدث ... وبعد ما عشت طقوس العزاء، واستمر ارتدائي لثياب الحداد مدة طويلة ... حتى شابت فيها مشاعري الغِضة ... وشاخت قبل أوانها ...
حلّت مكان مشاعري النقية الخيّرة، مشاعر سوداء قذرة!
فكرهته!، وكرهت رجال الأرض ...... فهو منهم ... وجميعهم مثل بعض ... هم نسخٌ تتناسخ مشاعرهم ورغباتهم دون أشكالهم!
لذا .....، رميت كل ما حصدته بجهد في مزرعة الحب، وأحرقته بين حقول البعد والهجران
وقررت أن أفتح صفحة جديدة سوداء ... في كتاب " عرش الخيانة"
تقلّدت بأيقونة " الخيانة "وبدأت أمارسها بجنون المجنون، حد الجنون ذاته!
كان يعتقد (( أنه )) ترك طفلة لاهية حزينة، ولا يدري أنه ترك (( أنثى )) محطمة تعيسة
بدأت ألقي الأوامر على مشاعري - الخدم - في البدء في بناء قصر الخيانة بصف طوب الكذب كأساسٍ للقصر، وأمرت أن يقوموا بفرش الممر ببساط يتلوّن بالمجاملات والكلمات المعسولة، وأطلقت في القصر عصافير ملونة تغرد في أرجاءه بصوتٍ مبحوح ساحرٍ قاتل
وألقيت الطرب في حديقة القصر
وهي في الواقع سيمفونية مطرٍ حزينة تهطل حوله
وبعد أن غيّرت ما حولي ..
غيّرت نفسي ..
رششت على صدري أحلى العطور، وأخذت منحنى الرجال ... وسرت بينهم مرتديةً عباءة المكر والدهاء
وبسذاجتهم جميعهم تبعوني كالذئاب الجائعة التي تنتظر الانقضاض على فريستها في أي لحظة!
لم يفقهوا هؤلاء المساكين أنهم وقعوا في الشباك، مذ أول خطوةٍ خطوها بجانبي ..
ولقد أجدت التمثيل بكل براعة، فقمت بمداعبتهم بحنانٍ بأناملي وربتّ عليهم بعطفٍ ورقة ولبست عدسات الطهارة في نظراتي ... وأوهمتهم أنني الحبيبة المختارة المنتظرة ..
جعلت كل واحدٍ منهم، يغرق وهو نائم في بحر عيني، أصبته بالعمى عندما يتأمل لمعان عيني، أصابه السكر عندما يسمع صوتي ....... ويجن عند رؤيتي!!!
وبعد أن أحوّطهم وأدخلهم إلى قصري ... رغبتاً في ممارسة الحب المجنون، أُطلق جنود حقدي عليهم
فأقوم بذلك بطعن قلوبهم، وأدمر مشاعرهم، وأحطم آمالهم، وأقيّد أمانيهم، وأحرق أحاسيسهم، وأوقظهم شر يقظةً من سباتهم الغبي مثلهم!!
تملأني النشوة، واستمتع بتجرع كؤوس آهاتهم وحسراتهم وآلامهم ,,,
أقودهم إلى زنزانتي .... فأظل أعذبهم ... حتى تتعب الروح، فتغادر الجسد بعد أن ضاقت ذرعاً! ..
فتتعفن جثثهم ... ولا يبقى منهم، سوى أرواحهم التي تظل تحلق حولي
وحتى أرواحهم، لم ترتح مني!، فهي مكبلة بسلاسل عشقي الخائب، لذا فعملية طيرانهم تكون بين جدران قصري البارد .....
أسمع تساؤلات أحد هذه الأرواح فيقول:
" ألستُ أنا من تحبني؟؟ "
فترد روحٍ أخرى:
" بل أنا من تعشقني!! "
.
.
تتجلى على وجهي ابتسامة فخرٍ.... فحتى أرواحهم ، تتخبط بين جدران الأسئلة!
أجلس بفخرٍ على عرشي، وفي يدي كأساً من دمائهم أحتسي منه حد الارتواء
وبالطبع ... جميع هذه الأرواح تخضع لمحاكمة عادلة! في محكمة الأوهام
لنرى مجريات أحداث إحدى المحاكمات التي قامت مؤخراً !:
.
.
.
تقتاد روحٍ ، حتى تنتصب أمامي بانكسار!
تتحدث إلي بصوتٍ مرهق : " لِمَ لا تحبينني؟، مهما يكن ماضيك أسوداً ، فأنا سأغفر لكِ، وسأتغاضى عنه، سأهبكِ ما تريدين .... المال ..... المنازل الفخمة ...، السيارات الفارهة ....أي شيء! وكل شيء!
وأن شئتِ ........... سأهبكِ نفسي! "
انظر إليه بعينِ حزينة كاذبة ..... ثم أشير إلى حراس القسوة بأن يقتادوا هذه الروح إلى حبل المشنقة ..
فأظل أسمع توسلاتها، حتى تختفي مع صراخ الأرواح المكبلة المحلقة حولي
.
.
.
تتقدم روحٍ أخرى وتبدأ الحديث بيأس:
" لو شئتِ أن تمارسِ الخيانة مع من شئتِ، فلكِ ذلك .. ولو كان مع مئة رجل!
فقط أريدك أن تثقي بي .... فرضاك هو ما أسعى إليه، اختبريني ... وكل ما تريدينه هو لكِ قبل أن تنطق شفتيك به ........... حتى نفسي .... "
أحني رأسي للحظات ... وأتظاهر بالتفكير العميق، وبعدها أنظر إليه، ثم ألقي نظرة إلى حراس القسوة وبسرعة يسحبونه مع صرخاته ... حتى يتلاشى صراخه مع آهات الأرواح التي مازلتُ أسمع دعائهم بنيل العفو مني!
.
.
.
تأتي الروح الأخيرة، وهي بالطبع ليست آخر الأرواح! ، تقول لي وهي ترتجف :
" لا أريد شيئاً منكِ ....، لا أريد شيئاً ........... أريدكِ أنتِ ... فقط أنتِ ..... ولكِ نفسي إن أردتها ! "
أهز رأسي آسفة عليه بصدق .... وأشعر بالغضب يجتاح حصوني بخيوله الهائجة فأرفع رأسي وأصيح بالحراس بقوة: أبعدوه عني!! ، أبعدوه عني !!!
فأسمع بكاءه ، والحراس يركلونه ويقومون بضربه بقسوة ...ينتهي بكاءه بصرخة تهز أركان القصر، فتتجمع الأرواح مع بعضها البعض وتزيد من الدعاء، ويزيد ارتجافها، حتى تشعر بارتجاف الرياح معهم تحاول أن تخفف عنهم! ....
أرفع رأسي وألقى نظرة رعبِ في أشباح قلوب هذه الأرواح!
استنشق بعمق هواء الغدر ..... فأشعر به يملأ رئتي وبعدها أزفر صياحهم ونحيبهم وبكاؤهم ....
ابتسم ابتسامة نصر عظيمة .....
أصيح بهم بأعلى صوتي :
" أرأيتم؟؟؟؟ جميعكم تسعون إلى إشباع رغباتكم ونزواتكم القذرة!! "
.
.
نعم .... جميعهم ... حتى وهم أرواح! ...، إنهم ينتظرون مني كلمة، حرف، همسة ...... حتى أحررهم من القيود ...حتى أعيد الحياة لهم .... حتى أعيد ترميم قلوبهم مرة أخرى ... وأعيد طلاء قلوبهم بلون حبي وعشقي ....
جميعهم يسعون لنيل رضاي ... يتراكضون أمامي ... لتلبية أوامري، ينتظرون مني أمر .... فيسرعون في تلبيته ....
يركعون عند قدمي رغبة في طلب العفو مني ......
وجميعهم أيضاً ... وهبوا أنفسهم لي!!
.
.
ولكني على الرغم من تربعي على عرش الخيانة، إلا أنني لم ولن أهب نفسي لأحد .....
فأنا الآن جامدة المشاعر، صلبة، متبلدة الأحاسيس، باردة الملامح ...
كل هذا، تغير بعد أن ألقيت قلبي في سلة مهملات الهجر
وليس لي أي رغبة في تكرار تجربة الحب مرة أخرى ......
أتذكر ...... أن أحداً همس لي وقال لي كما قال نزار قباني من قبله :
" حبكِ يا عميقة العينين، كالولادة والموت، صعبٌ أن يُعاد مرتين! "
وأنا كذلك ................. وأشعر بالزهو أنني أمثل قولاً كاملاً رائعاً من شاعر المرأة!
.
.
ولكن رغم انتصاري الساحق على الرجال، إلا أنني أنشد الراحة .....، الراحة الأبدية ...
فأنا متعبة ..... متعبة جداً ....
.
.
وأشعر أنني أستحق أن أكون أميرة الخيانة .... ومن الأفضل أن أكون قدوة لجميع النساء اللواتي تعرضن للخيانة والهجر والنسيان !
.
.
.
.
.
لقد لعبت اللعبة جيداً ....
واستطعت نثر الكلمات على الرجال بمهارة، كما ينثر لاعب الورق الماهر أوراقه على طاولة الذكاء!
.
.
ولكن
هنالك سؤال أشعر به بين ضلوعي، يكبر ويكبر ..... حتى الألم ...
" متى سيتوقف هذا الجنون ؟ "
-دمية-
موعد
سأراكِ الليلة
العصافيرُ التي تعرفُ وجهة طيرانها
طليقة الآن تحت أضلعي :
عيناكِ تحلّقان إلى هنا ، إلى عيني
عقلي : أنظر فيهما :
ماذا لو تجمّدتُ
لدى مرآكِ ؟ ماذا لو احتَرقْتُ
بالكامل ؟ العصافيرُ يمكن
أن تَنفلتَ وتذهب
باكراً جدّاً ؛ أو ، السيئ جدّاً
لو حلّقَتْ نَفْسي إليك
باكراً ، وما استطعتُ لحاقها .
أرتشي راندولف أمونز

".. كانوا يُسافرون في قطار – أذكر ذلك الآن- غالبني ماراودني مثل هذا الحلم – مثل الطبيعة الصامتة المرقّشة بأشجار صناعية زائفة مثقلة الأغصان بفواكه من الأمواس و المقصات و ادوات حانوت الحلاق المختلفة – أذكر الآن أنه كان يتعين علي قصي شعري – تراءى له ذلك الحلم كثيراً، لكنه لميثر قط ذلك الخوف في اعماقه. هنالك خلف أحدى الأشجرا و قف أخوه، الآخر التوأم، ملوحاً – حدث لي ذلك في الواقع في مكان ما - لكي يوقف القطار. و لما اقتنع بعبث الرسالة التي لوّح بها شرعَ وراء القاطرة الى ان سقَطَ لاهثاً و فد غطّى الزَّبد فمه. كان ذلك حلمه العبثي اللاعقلاني بالطبع، و لكن لم يكُن ثمّة مايدعوه لأن يحدث هذه اليقظة المزعجة. أغمض عينيه من جديد، ولايزال صدغاه ينبضان بدفع الدم الذي سرى هاتفاً في عروقه مثلما فبضة مُطبقة. مضى القطار الى منطقة جدباء، مقفرة، تثير الانقباض في النفس. جعله ألم أحس به في ساقه اليسرى يصرف انتباهه عن المناظر الطبيعية. لاحظ أنه في أصبع قدمه الأوسط- ينبغي ألا استمر في انتعال هذه الأحذية الضيقة. كان هنالك تورّم. وبصورة طبيعية، و كما لو كانت تلك عادته، انتزع من جيبه مفكّاً، وانتزع رأسُ الورَم به. وصغه بعناية في صندوق صغير أزرق- هل بمقدورك أن ترى ألواناً في الأحلام؟- ولمح متطلّعاً من خلال الجرح نهاية خيط دهني أصفر. جذبه دون ان يستشعر ضيقاً او ألماً. بعد لحظة رفع عينيه، فرأى عربة القطار خاوية و أن الوحيد الباقي في عربة أخرى من القطار هو أخوه، الذي يرتدي زي أمرأة، و يقف أمام مرآة محاولاً اقتلاع عينه اليسرى بمقص.

أنا الطفل الذي تعرفونه ,,,
أنا الذي أضع إصبعي في التراب ثم ألعقه
أنا
( الذي أنثر السكر على الأرض ثم إذا أتي النمل أقتله : نملة, نملة
الذي أضرب ابنة الجيران و أدّعي أنها شتمت أبي
الذي يتمارض لكيلا يذهب إلى رياض الأطفال
الذي أتأنق لأعجب ابنة حارس البناية
الذي أدخّن لأصبح رجلا
الذي قلت لأبي : لا , لأنام خارج المنزل
الذي تعلم القيادة , ليذهب في نزهة إلى البحر
الذي كذب كثيرا لئلا يحزن الآخرون
الذي عرف كثيرات ليلاقي حبيبة غير موجودة
الذي كتب ليكون !!! )
أنا الطفل الذي تعرفونه ,,
يحب الفوضى ,,, و ينتقد اللحى !!!!
ميزو
مئة جريح بلا وسادة ، مئة راية بلا سارية ، والفرح يضرب الخنادق والدم أغنيات ورقص .
بقليل من العشب الأخضر ، بقليل من الحجارة الأليفة ، بقليل من حكمة المطر ، نحطم أبوابنا العتيقة ، نرفع خيمة الصبر ،.. والبطولة حارس يتحفّز ، والحب ضربة داهمة .
للأصابع الذهبية الكسيحة نخلق عظم الرفض ، للأفواه اليتيمة الجائعة ننبش الجذور ، نحرث جبهة الأمير .
من هم هؤلاء ؟ ما هي هذه البلاد الحمراء ؟ لا تقيسوا الأرض بالسوط ، لا تزنوا الشعب بالحديد ، الكذب أثداء فارغة ، والعمر أبقى من السوط .
بجراحنا الخجولة العاشقة نمحو أسماءك القديمة يا عبودية ، ونرمي أسماءك الجديدة في محارق التمرد .
لكننا بلا موت ، فاقسي يا جراحنا المميتة ، واكذبي يا بلاد الخناجر ، ويا شعب القيود استبسل ، إننا الشمس والهواء ، إننا بلا موت .
يا رب ، أيها الهيكل المنور بالعذاب والدمع – بالشعر والدمع ، يا فحل الشمس والأرض ، افتح ولو مرة ، جفونك .
هي ذي مرآة ثاكلة ، تمسك ذيل الشارع وتحمل صناديق الفقر – هي ذي في جهنم البغي ، تلدغها أفاعي الطغيان ، ويخبطها فهد المشنقة .
هو ذا شعب بلا وجه يقفز تحت المهاميز ، وتثقب عيونه مسامير الجريمة .
هي ذي بلاد أجبن من ريشة ، وأذل من عتبة ، تدخل ملكوت الصمت وتمد جبينها للسنابك .
يا رب ، يا فحل الشمس والأرض ، علمنا أبجدية الهواء ، أرنا عصفوراً ما ، شجرة ما ،.. دلنا على النور والفضاء .
من يعشق دربنا الطويلة حيث الجوع ينعشنا ، وحيث تغذينا الحسرة .
من يعشق فراشنا الممزق حيث البطولة زوجة وديعة ، وحيث الموت فريسة وخبز ؟ وها نحن يا رب …
في ممرات تحزمها الصاعقة ، في مضايق بلا ظلال ولا ملك ، نمضي إليك عراة ، فاتحين .
نغسل عفونة الأرض ، نتزوج الماء ، ونملأ الليالي بصراخ الأشياء الجديدة .
أيتها الساعات التي تلبس وجه قايين ، أيتها الأيام الآتية افتحي كتابك لنا .
وحدنا في مفارق الموت والحياة – وحدنا ننتظر ، نلمح التعب يمحو سماءنا . ونلمح الشمس تنفسخ في تجاعيد أيدينا .
تحت أسناننا الصغيرة تتفتت عروقنا ، لا شيء يمنعنا من المحبة ، لا شيء ينقذنا من القتل ، ووحدهما – القبر والمحبة يفتحان صدريهما لنا .
يقتلوننا ؟ يمنعوننا من السير ؟ عبثاً يفعلون .
إننا زاحفون عنيدون مقدرون للسير أبداً ، لهذا نحن صارمون ، لهذا نحن معذبون .
وفي سيرنا الملتهب تكبر آثارنا ، وتنتفض ،..أجمل من قلعة رهيبة ،.. وأكثر اخضرارا من البحر .
لا شيء يجرف أقدامنا ، لا شيء يلجم طريقنا ، لنا بطولة أبطأ من حجرة . ولنا بطولة أسرع من طرفة العين .
لسنا كثيرين ، لكن الهواء معنا ، ومعنا الشمس والتراب ،.. نحضن الحرية ونحيا بين الجدران الأربعة لكتاب البطولة .
وحين يسلبوننا بيوتنا الألفية ، نبدلها بصخرة جامحة ، يرشح منها الأفق . ونرقد في أيدينا . وإذ نموت نفترش الأرض ، وفي وجوهنا المحبة .
لبلادي الأسيرة ألتصق بالموت وأكتب هذه الأغنية . لشعبي الرافع يديه في وجهي أصلي وأكتب هذه الأغنية .
أعياد الشجر بعيدة وفي أرض أخرى ، لكن بلادي زهرة لوتس ولؤلؤة .
لا رعد ، واليباس يرصد الجذور ، وأنا وأخوتي على المائدة ، نتقاسم بيضة صغيرة – لكن زيفاً يورق في زنودنا اليابسة ، لكن خيطاً من الجوع يربط قلوبنا بسنابل القمح .
آه يا رب … من أين أعطيتنا هذه القلوب ؟ وأنت أيها الوطن ، أيها الخيط المشتعل من الحديد والموت ، أية ألوهة ساحرة في وجهك ؟
الرصاص يحصد أيامنا ، وأيامنا طويلة تخطف النفس وتجلس فوق الأشلاء ،.. لكن الخطر نورنا ، وفي الهواء نلتجئ ، وفي الشمس المنارة .
أيها العبيد المتوّجون برؤوس الناس ، أيها الأحياء المتعفنون ، لكم نعبر الصاعقة ونمحو بأجفاننا الشوك والوسخ ، لكم ننقذ سفينة الشرف ، نحملها على دمائنا ونمخر بها لجة العمر .
وأنت أيها الحب ، أيها التائه المحطم ، يا كعبة نادرة لحجاج نادرين ، أنت هواؤنا وشمسنا ، أنت خبزنا وماؤنا ، في السجن والمقصلة ، في العذاب والتشرد ، في الحياة والموت .
تحت صنوبر الحزن وقفت جياد أيامنا ، الفضاء ريشة تحترق ، والطريق خيط راقص من الرعب والفرح .
إنها جباهنا العريقة تسقط في حفرة الشمس ، إنها السماء تقطع صحاري وجوهنا .
أسميك هاوية ، أيها اليأس ، لكنك لا تسمى . خلف جدرانك المسرعة نقطر دماً ونشتعل . أنت بؤبؤ وشمع ونحن راية ونار ، لكننا رفيقان أبداً ، تخنق أطفالنا الجائعين ، ونخنق ظلامك المفترس .
أيها اليأس ، أيها الفاتك البربري ، لن نفترق بعد الآن ، ولن نمشي معاً بعد الآن . فوق صدورنا يرتمي تاريخ القلب ، فوق طريقنا تشمخ كنيسة الروح . نركض ، نتلاقى ، وننادي : الحب والله ، وننادي مسيح الثورة .
ويا مسافر بين صخرة الموت ومضيق الحيرة ، كن معنا فراشة عاشقة ، تتآخى مع الفجر ، وتوقظ الوردة الذابلة . واحفظ معنا في جليد أغصانك نسغ الربيع والضوء .
للعرب ننفخ بوق النفير ، نكسر أهدابنا قصائد وحباً .
لقارتين من الله والعبودية ، نعلو غيوماً ونرتفع مشاعل . نمسك عظام أطفالنا ونضرب يافوخ المستعبد ، نلملم زنودنا المسحوقة ونصفح جبهة العبد .
للعرب … آه اتركي سريرك الضيق يا أرواحنا اللجوجة ، مجدك يلتفت ، وقارتان من الله والعبودية في فجيعة وانتظار .
وأنت أيها الشعر الذي تكتبه سياط الشرق ويقوده الجليد الأحمر ، أيها الشعر الملطخ بالكذب ، المحمول في نقالة من المال ، والركوع . أيها العلق ابتعد عن العرب ،.. ابتعد عنا .
أنت لا تعرف جموعنا المتمردة ، تجهل سر موتها ، تجهل بعثها المنتظر ، أنت أظافر الجرب ، أنت أفيون الضياع .
نحمل فقرنا المحب ونسير في جحفل من الجوع ، لكن الروح لؤلؤنا ومنارنا القلب ، وللحرية نولد ونحيا .
وأنت انطرح فوق الأنقاض العالية وعطرها وأهنأ بالجيف والبثور ، وغن القشور والسطح .
لن تبلغ أعمالنا الخالقة ، لن تكون في فصولنا غير اليباس والصفرة ، ولن تتمشى بقامة الشعر !
أه من قلبي الطفل ، آه ما أشد إلحاحه ،
يضربني لكي اكتب ، ويصرخ : أسرع ! أنت وراء الحياة .
أين روحك في أرض الصاعقة ؟ أين هديرك في موكب الينابيع ؟
وأهمس لقلبي الطفل : حول عنقي شفرة الموت ، وربما ضعفت ، لكنني سأغني أبداً ، ولن أخضع ، وسيمضي معي سلاحي إلى القبر . إنني من سلالة لحظة ليست في عقارب الساعة ،.. وليست في أيام الناس .
أيتها الرياح المحملة بأغصان العطر ، يا رياحاً بلون لبنان والبحر ، احملي جراحنا المثمرة إلى أشجار المستقبل ، غنيها فوق أسرة الطفولة ، واكتبها على الشرفات والنوافذ .
أيتها الرياح الآتية من وراء الجدران ، المحملة بالحرية ، بكلمات يتيمة في زوايا السجون ، أنت إلهنا في معابد الوحدة ، أنت غطاؤنا في جبال التشرد .
للحرية نقطع سلاسل التخوم ، يصبغ دمنا وجه سوريا ، وفي ملكوت العقارب المدهون بالسم ، نمسح جباهنا بالحنين والصبر ، ونحيا .
باكية بعمر الخليقة تجرح ثدييها في جبال لبنان ، تسأل عن طريق ونجمة وتخبط الأرض .
لا رفيق لها غير الأرز والبحر ، لكنها أطول عمراً من الموت ، لكنها أكثر جاذبية من خبز الله ، وأكثر فتنة من جلد العالم .
وها بذرة العاصفة ، وها دبيب الرعشة ، فلتسقط الأوراق الصفر ، ولينكسر الغصن الميت ، وفوق تلال الكتب الممزقة ، وفوق أكداس الجباه القتيلة ، لتقرع أجراس البعث .
شفق الصنوبر فوق المدينة ، والوطن سفينة تتسلح بالزهر والضوء ، وتبحر صوب الله والطفولة . لا موت ، لا نهاية ، لكن البعث الأبدي ، لكن الجلجلة !
أدونيس

هل تعرف كيف كانت حياتي
أيها الحبّ
قبل أن ألتقيك؟
كانت الأرض صحراء
والعالم صورةً ضبابية ترتجف حيناً
وحيناً وجهاً أليفاً من خيالات أحلامي.
نهاري لم يكن مختلفاً عن ليلي
ولا رقادي عن اليقظة.
كنتُ رجلاً ترعبه الساحات العامة
يروعه الفراغ،
وكم من المرّات كنت أشمئز في نومي
من نهار يرغمني عليه جفناي.
كانت المدينة تنهكني
بلهاثها الشبيه بنهرٍ لا يعثر على مصبّ.
كانت تخيفني بضخامتها،
تلك العملاقة المطفأة النظرات.
وفجأة، كمثل صورة غامضة
يحاول طفل رسمها بأحجار النرد
فتستضيء بالحجر الذي كان ينقصها،
أتيتَ أيها الحب فانتظم الصخب
هدأ اللهاث
وسكن النهر في البحر
أمام اثنين يتعانقان في الظلّ.
كاميلو سباربارو

تمضي الصباحات صافية ومقفرة .
مثلها كانت عيناك
تتفحتان في ما مضى .
كان الصباح بطيئاً يمضي ،
وكان لجة من النور الجامد .
صامتاً كان ومثله كنت وأنت حية،
الأشياء كانت تنطق بالحياة تحت عينيك
( لا حزن، لا حمّى، لا ظلال )
مثل بحر عند الصباح ، صاف .
حيث أنتِ، أيها النور، يرى الصباح النور !
الحياة كنت والأشياء.
وكنا فيك نتـنفس يقظين
تحت هذه السماء التي ما زالت فينا.
لا حزن لا حمّى إذن،
ولا ذاك الظل الثـقيل
لنهار طافح ومختلف.
أيها النور، يا صفاء بعيداً،
يا نفساً يلهث ،
وجّهي أنظارك الجامدة والصافية إلينا .
مظلم هو كل صباح يمضي
من دون نور عينيك.
تشيزاري بافيزي

الوقت الذي يشبهك
عبرنا جسر الغياب
في اللحظة الأخيرة من صرير الورقة
كانت المحابر
في ذلك الوقت من منتصف النهار
تهذِّب الحبر والطاولةَ والمفردات
بشاهق الكلام اللطيف
والكونُ على شرفةِ الوقت يلوِّنُ الشفاه بذاكرةِ الشجر
الشجر ملاءة الظّل
وطارد الظّهيرة من شوارعِ النّهار .
في هذا الوقت الرّهيفِ من صهيلِ الأغنيات . ثمةَ شئ يحدثُ دون رغبةٍ يا سيِّدتي . الرُّعاة في حقل العملِ يزرعون وقتكِ بإرهاقاتٍ كثيرة . الغرباء على النّافذة يزيحونَ الستائرَ ويتسللون إلى أنفاق المكانِ . الليل يهرب من خيمتهِ . السائقُ يطرقُ الباب بعنف . كلهم يذبحونَ ضحكةَ الطفولة وهي تنمو بعنايةٍ في هذا الوقت من أولِ الفجر . الضحكة التي تسرد الحكايات الغائبة والشروخ الصغيرة في الصّدر . الوجه الذي عبثت به الأشواك الشريرة في الصِّبا . عراكُ الأصدقاء والصديقات . السباحة في النهر . رسائل الوقت البعيد . الركض في الشوارع والأزقة والبيوت في الحارات الجديدة .
الضحكة من بوابة الأسرار تخرج .
تتسلل من فراغات الأصابع مثل نسمةٍ تمسح الوجه في أول الصباح .
لكنه صوتكِ
أقربُ من شهقةٍ في الصّباح . يكشف الرؤيا . يفتحُ الكون بطائراتِ الطفولة . الكثير من الوقت ظلّ بقرب الضّوء . يفتح شرياناً كالرصيف . لنعبر الطريق نحو السّماء الشاهقةِ في سدرة الروح . الليلُ يشبهُ تماماً ليلُ الذاكرة القريب . رمل الخريف على بوابات البيوت الريفية . الطين الذي يخضرُّ على أناملنا . يصنعُ كائنات الأبنوس . كالآلهة المجبولةِ بالحب . توزِّع الإشارات . كان الوقت منتصف العتمة . يمسك بؤرة الضّوء مثل قنديلٍ عتيق . السّحاب الملئ بالماء يتحفزُ . الأرض تتفتح بالخصوبة . الشجر . الطير . البنات . الأولاد . النباتات . البهائم الأليفة . تنتظرُ شرفة اللّيل الأنيق .
السّماء فتحت شرفةً وغابتْ
ما زال الغيم طريّاً والوقت ليس مناسباً لتأهيلِ المياه
بعد ساعات قليلةٍ ظلّ الرّعد يصرخُ
والسّحاب ينظرُ بنافذةِ البّرق . أي الجهاتِ كانت تفرِشُ الأرض بالرغبات . هي الأرض التي فطرتها المواسم . جاهزة لرحيل اليباب . في الربع الأخير من الليل
كأنّما نبوةٌ حرّكّت أناملها بالبخار
رأيتُ السّماء تُعبَّد الكونَ بالمطر الغزير .
هو الوقتُ
كان يعيش في بيتِ الذاكرة . ينجو من خرائبِ النسيان . الوقت الذي ينالُ المسرات . يحفرُ التفاصيل . هو الوقت البعيد . كتابة الحائط من أجل الحبيبات . الشراك الصغيرة في الخلاء . وصايا الكلامِ الأخير من دفاتر العشق الخجول . هي السيرة الغائبة من حياة الوقت الذي يشبهك . الوقت الذي يشبه أوراق الرسائل . الوقت الذي يشبه أنهار الكون وقت الخريف . الوقت الذي يشبه وردة يانعةً . الوقت الذي فتحَ الينابيع في أّول الصباح . الوقت مثل صغارٍ يضحكون تحت الملاءةِ . يتسابقون في رصد النجوم . ومغازلة القمر . الصغار فاتحة الكونِ على سرير المشاغبات . سرّاق الوقت من ضجر العالم .
في العراء المجاور للمدرسةِ
كنت أناديها
ننزع الحشائش الصغيرة . نترك فراغات تشبه الحروف
حفرنا أسماءنا على الأرض .
كانت تجيد الغناء
وأنا أجيد الكتابة على السبورة الفارغة . تؤدي الأناشيد بألحانِ المغنين .
بكينا .. ضحكنا .. بكينا .. ضحكنا
الليل أوغل في الجنون
أمطرت السّماء من مقلتينا
وصمتنا في المساء الأخضر
الآن
أنظرُ كمن يرى غابات الصّمت تفتح القواميس
الكلام يسيل من شرفة الريح . اللغة مثل طفلة تحفر الطين . الطينُ مشيئةُ البنتِ على رصيفِ الحنين . الحنين تربة الولد على أريكة الطين .
ثمةَ حكايات عابرةٌ
الكهف الذي يفتح بوابتهُ . المكان الذي يأوي الذكريات . المشاوير التي أزْهَرَتْ بين الضّريح والبيت . الضريح الذي أزهرت به أشجار السّدر المثمرة . الضريح خازن الأسرار والنذور الباذخة . الضريح هو الحديقة الوحيدة في بلدتنا . كل هذا من صهيل الحكايات التي عبرت من سنوات الشوق البعيد . تلامسُ الوقت . فاتح الوجد في الينابيع .النداء في الأزل . كصدى ماهرٍ لخربشاتِ النقشِ في الصغر . شبيهُ النقش في الحجر .
أيها القلب الواقف على سبّابة الحنين
أطرق البابَ
أطرق النّافذة
الصبايا العابرات لا يكترثن
الصبيّة التي تخصك تسمعك
تُزيحُ الستارة البيضاء عن بوابةِ الغرفة
تُناديكَ
راعشاً بالطفولة أدخل
الوقت الذي يشبهُ اللهاث الرائق يعرفك
كن هنالك
قريباً من دمِ البنت التي رصفت طريق السّماء
فالغياب بركة لعينةٌ
فراغٌ معبّد بالعاصفة
شرك فاجرٌ يمسحُ الرّقةَ من زجاج الكائنات
بينما العودة
وجه أليف من سيرة العشّاق . نهرٌ يسيل من قمم المرتفعات نحو أرض مسطحة كي لا يتدحرج ثانية . العودة صرخة الأرض أمام الماء
ولهاث الطين نحو شهوةٍ فارعةٍ في الطفولة .
السّاعة تقتربُ من ولادةٍ كونيةٍ . المخاض ليس وجعاً يحرقٌ الجسد / الجسد حياة الكائن . المخاض لحظة ترقّبٍ وبشارات لرؤيا الغائب . الغائب في الذاكرة . يولد بأشواقٍ وانتظارات كانت تحضن اللغة . يقف بالعطشِ الهائلِ على بوابة الصبح . الغائبة في الذاكرة تولدُ في الساعة الثانية بعد منتصف الليل . من بوابة زجاجية تخرج . أوّل ماقاله الهواءُ ـ رائحة العطر الطازج . وصهيل أقدامها الشبيه بموسيقى المغنياتِ في سفرِ الأساطير . الأوراقُ طافحةٌ من كمائن الحقيبة . الأسطوانات عطشى لرشقِ الغناء . هي المرأة التي تشبهُ الكون . صانعةُ الوقت في الفردوسِ الأكيدْ .
رأيتها .
رأيتُ القلب يهتزُّ كرعدٍ يهيئ المطرَ
رأيتُ الأرضَ زاهية تقبِّلُ الصّباح على قارعةِ البّهوِ
رأيت النّساء العابرات
يفتحن الطّريقَ
رأيتها
من خيطٍ ناهزٍ في النّورِ
من لذّةٍ ناضجةٍ في الحبر
تشيع الضّوء كسراجِ آمنة الجميل
امرأة مغسولة في سهول الاستوائية
بفاكهةٍ ما زالت تعانق الأشجار
مثل غزالةٍ ماهرة في الركضِ تطرقُ الأرضَ بأصواتِ الحنين
ولهفة الحقول لمياهٍ رائقةٍ تبلّل التربة
تفتح نواةَ الحياة بين أقواس العاشقين
أشرعت حضور هيئتها كقمرٍ وحيدٍ
وغابت كل الوجوه الواقفة على رصيفِ الممر العريض .
رأيتُها
رأيتُها
رأيتُها
حاضنة الأساطير والأغنيات والأناشيد والكلامِ الأخير في كمائنِ الجسدْ .
الولدُ الذي كنتُ أنا . يرتدي بنطال الجينز الأزرق . والفانلةُ البيضاء / رغبة الكائنة في سلامِ العالم . بيدهِ قصة موتٍ معلن لماركيز . كأفيون لهدم الوقت وهو يتمطى في الطريق إلى المدينة . لكن الولد الذي هنا ليس سنتياغو نصار . سنتياغو نصار قُتِلَ . نصار الذي هنا يفتَحُ بابَ الحياة بوعدٍ رافقَ الروح منذ ملاذات الطفولة . رصفتهُ أوراق الرسائل بأنهارِ الفتوحات والكلام . آخر الليل . ينتظرُ على بوابةٍ واسعةٍ .
الوجوه مسرعة تمرّ
الوقت ثقيلٌ جداً يسير . القراءة الوفيرة لم تكن سوى ذريعة بائسة لتفتيت الزمن
أخيراً
الكون المرصود في أزل الحكايات يخرجُ بثيابٍ عرّفتني بها زهرةُ الشّمس
رأيتها بلون أميرةٍ من ينابيعِ الأبنوس
تطرقُ الأرض كفرسٍ في شارع النيل
الكّرزُ لون الغطاء
الصّحراء بعذريتها تلف خريطة الكون
الحذاء يشبه الكّرز تماماً
خلف نظارةٍ شفافةٍ تبرق عينان مشعّتان
إمرأة من آلهة الإغريق
خرجت من بين حنايا المدينة اللامعةِ الخُطى
كنزيف الملكات الشاهقات
تلقى بنفسها في رائحة العطر وأحضانِ العاشق
صرخَ الدّمُ
هي الزهرة التي طويتُ الأرض في اللهاث عن شرْفتها
عانقتها مثل رسولٍ أيقظته الآلهة . كانت تحدِّق في الذاكرة . لا أصدق ! . قالتها بابتسامة شرخت تراب الغياب . في المصعد الخالي تماماً . قبّلتها كطفلٍ يقتله الحنين . الممرُ الطويل كان بهيجاً ذلك الصباح . الكون فتحَ أسراره بشهوات الغيوم وبلل الأرض . الرّحلةُ نحو المجاهيل صارت دهشة الينابيع
الألفة التي رأيتها تسيل من قلب الكاهنة
رعتْها الطفولة في الأكواخِ
وبّنّتْهَا المعاول في سرداب الروح
المكان بهيجاً وراقصاً كعروسٍ عجنتْها الصّديقات في بيت الجيران
انتهى فارق الوقت بين الليل والنهار
ورغبة الرفاق في شاي الصباح والوجبات العادية
ركضنا في الغرفةِ
والأزقة والشوارع والأسواق وقاعات السينما وصالات الطعام
ومقاعد العرباتِ وبهو الفندق وردهاتِ المطار وبيوت الأزياء
شربنا كؤوسَ الليمون والسبرايت والبرتقال والحليب الطازج ...
وقفنا على السياج
الكائناتُ مثل أمواج تسيرُ
السلالم المتحركة كأسراب نملٍ تلمُ قوت المساء
ومشينا
كعصافير بين عُش الخريف
تذوقنا العصير دافئاً من شفاهٍ بللتها السّماوات .
نصار الصادق الحاج

1
أبلغي كل إنسان
الآن، اليوم، بأني
في عذوبة سأغني
لمتعة من صادقتني
2
ولسوف نستمتع معا بالغناء
مثل من تجد
بالخطايا، وربما في الحماقة
والحزن ما ينسيها
3
كانت واقفة بجوار سريري
بصندليها الذهبيين
والفجر في ذات
اللحظة أيقضتني
4
أسائل نفسي
ماذا، ياسافو، بقدورك
أن تمنحي لمن
تمتلك كل شيء
كأفروديت؟
5
وأجيبها
سأحرق قربانا
من عظام الفخذ المكسورة بالدهن
لعنزة بيضاء
على مصلاها
6
اعتراف
أنني عشقت قد ما أرهق
حالي. وآمنت
بما للعشق
من نصيب في
تألق الشمس
وعفتها
7
في الظهيرة
والأرض
تضيئها ألسنة لهيب
يتساقط كرمح عمودي
يطلق صرصار الليل
- عاليا كقذيفة-
غناءه بحركة من جناحيه
8
أخذت قيثارتي وأنشدت
تعالي الآن،
يا صدفة سلحفاتي المقدسة: كوني
آلة صادحة
9
برغم أنهن
محض أنفاس وحسب، لكن الكلمات
التي أملكتها
خالدة
10
في ذلك العصر
تينع الفتيات ليتزوجن
وتلوح تيجان
الزهور بقلائدهن
11
سمعناهما تنشدان:
الصوت الأول:
أدونيس الصغير
يحتضر! آه
سيتيريا
ماذا نفعل الآن؟
الصوت الثاني
اضربن صدور كن
بقبضات الأكف، أيتها الفتيات
ومزقن ثيابكن!
12
ما من فائدة
أيتها الأم العزيزة، فأنا
لا أستطيع أن أكمل
نسيجي
ولربما ألقيت
اللوم على أفروديت
فالناعمة كما هي
كادت
أن تقتلني
بعشق ذلك الفتى
13
ما أكثر ما ينم البشر
وهم يتقولون على ليديا، أنها
وجدت بيضة
تختفي تحت
أحجار الياقوت الأزرق البري
14
السلام الحاكم في السماوات
كان امبروسيا واقفا
وقد عانق لتوه
بآنية الخمر
أما هيرميس فكان يرفع إبريق الخمر ويصب
للآلهة
15
عندما شاهدت أيروس
في طريقه نحونا
قادما من السماء، كان
يرتدي عباءة الجندي
الأرجوانية الداكنة
16
أنت يا راعي قطعان المساء
هسبيروس، يا من تهش
نخو البيت كل ما
شت من نور الفجر
تهش على الشياه، وتهش على
العنزات، وتهش على الأطفال
باتجاه البيت، كل إلى أمه
17
نامي يا عزيزتي
لي ابنة
صغيري تدعى
كليس، تلك التي
تشبه زهرة ذهبية
ما كنت
لأبدلها
مقابل مملكة كرويسوس
بكل ما انتثر بها من عشق
18
رغم أنها خرقاء
إلا أن لدى
مانسيديسكا
طلعة أكثر بهاء
من
جيرينو النبيلة
19
غدا سيكون من الأفضل لك
أن تستخدمي كفيك الناعمتين،
ياديكا، اتمزقي
أشياءك الجميلة، وتغطي
خصلاتك البهية
فمن تريدي الزهور
ستحظيا بأسعد
نعم الآلهة: النعم التي ستعود
من رأس عارية.
20
على سطح السفينة وضعنا الجرة
مع تلك الكلمات:
هذا هو رماد الصغيرة
تيماس التي لم تتزوج
تنقاد
إلى ظلام غرفة
نوم
بيرسيفون
وهي الآن أبعد ما تكون عن
بيتها،، والفتيات
في عمرها يأخذن
شفرات جديدة الحواف
ليقصصن، حدادا عليها
خصلات شعرهن الناعم
21
أيتها القبرصية، في أحلامي
طيات منديلك
الأرجواني وهي تظلل
خديك- المنديل الذي
أرسلته مرة تمياس
هدية خوف، طوال
الطريق من فوكايا
22
في فجر الربيع
يبزغ القمر مكتملا:
وتأخذ الفتيات
أماكنهن
كما لو كن يتحلقن حول المصلى
23
وأقدامهن تتحرك
وفق إيقاع، بينما الأقدام
الرقيقة لفتيات كريتان
تتراقص حول
مذبح العشب
الزهري الأملس الناعم
24
كن ملتاعات من بهاء
النجوم القريبة
للقمر الحبيب الذي يغطي
وجوههن المشرقة
حينما يكون
في أكمل استدارة له ناشرا ضوءه
الفضي على الأرض
25
الآن، وبينما نرقص
تعالي إلينا
أيتها الرقيقات جاييتي،
ريفرلي، راديانس
وأنتن، ربات الإبداع بالسعر الحبيب.
سافو
وحبيبي الذي هناك
عند الضفة الأخرى
من النهر
يحمل لي زهرة
وأنا - كما تعرفون-
لا أحبّ الأزهار الذابلة.
أحب خط حبيبي
يشرق كل يوم
في البريد
أنتشله من بين إعلانات تجارية
وعروض خاصة
بأن " إشترِ واحداً
وخذ الآخر مجاناً "
وخبر مستعجل
بأنك ستربح مليون دولار
إذا اشتركت في هذه المجلة
وفواتير الحساب
للدفع بالتقسيط
أحبّ خط حبيبي
ولو يزداد ارتعاشاً كل يوم
دنيا ميخائيل

قلتَ لي: والدي لم يبك يوما،
قلتَ: جدي لم يبك يوما،
أبدا لم يبك رجال سلالتي:
كانوا من فولاذ.
وإذ قلتَ ذلك انبجست منك دمعة
وسقطت في فمي.
لم اشرب في حياتي كمية سمّ أكبر
من قدح صغير كهذا.
أنا المرأة الضعيفة، المسكينة التي تفهم،
ميّزتُ وجع القرون ما ان شربته.
آه، لا تستطيع روحي
حمل ثقلك كله.
ألفونسينا ستورني

لن أساعد الزلزال
أحمد بركات
، كأني أحمل في كفي الوردة التي توبخ العالم
الأشياء الأكثر فداحة :
قلب شاعر في حاجة قصوى إلى لغة
والأسطح القليلة المتبقية من خراب البارحة
حذر ، أخطو كأني ذاهب على خط نزاع
وكأن معي رسائل لجنود
وراية جديدة لمعسكر جديد
بينما الثواني التي تأتي من الوراء تقصف العمر
هكذا
بكثافة الرماد
معدن الحروب الأولى
تصوغ الثواني صحراءها الحقيقية
وأنا حذر ، أخطو نحوكم وكأن السحب الأخيرة تحملني
أمطارها الأخيرة
ربما يكون الماء سؤالا حقيقي
وعلي أن أجيب بلهجة العطش
ربما حتى أصل إلى القرى المعلقة في شموس طفولتكم
علي أن أجتاز هذا الجسر الأخير وأن أتعلم السهر مع أقمار
مقبلة من ليال مقبلة حتى أشيخ
وأنا أجتاز هذا الجسر الأخير
هل أستطيع أن أقول بصراحتي الكاذبة : لست حذرا لأنني
أعرفكم واحدا واحدا ؟
لكن ، أين أخبئ هذه الأرض الجديدة التي تتكون في عين
التلميذ ؟
وماذا سيقول المعلم
إذا سأله النهر ؟
حذر ، ألوح من بعيد
لأعوام بعيدة
وأعرف – بالبداهة – أنني عما قريب سأذهب مع الأشياء
التي تبحث عن أسمائها فوق سماء أجمل ولن أساعد الزلزال
فقط ، سأقف لحظة أخرى
تحت ساعة الميدان الكبيرة
هناك العربات تمر بطيئة
كأنها تسير في حلم
هناك قطع الغيم في الفضاء
لا تشبه سرب طائرات خائفة
هناك امرأة تقترب من الخامسة مساء تنتظرني
سأذهب عما قريب
دون أن أعرف لماذا الآن أشبه الحب بكتاب التاريخ
أحب
أحيانا أتوزع قبائل تتناحر على بلاد وهمية
أحيانا أضيع
ولكنني دائما أحمل في كفي الوردة التي توبخ العالم
1
المطر لا يخصني وحدي،
لا يخصنا جميعاً كالثياب التي نلبسها·
عندما ينفد كل مخزونه
سيهطل بضفادع كبيرة·
لن يكون الأمر سيئاً
إذا لم نعرف الفاعل في الظلام،
نحن لن نفرك عيوننا جيداً لنراه·
هو سيقطع التيار أولاً
ونحن لن نقطع اليأس·
سنعتمد فقط على المارة
أو على أنفسنا
لعبور شارع صحيح
أو العودة إلى بيتٍ لم نخرج منه·
2
المدينة أيضا لا تخصني·
مدينة شعرها مجعد
ومطلوق من جهة البحر·
في الليل ستبدو بلا رأس للغريب،
على وشك الوقوع تحت تردد عالٍ
أو في قبضة سوداء
لمدينة أخرى·
المدينة لا تخصنا جميعاً·
تتسع أو تنكمش
هذا متوقف على همة اللاسلكيين·
ريثما يصل اللاسلكيون
على زورق مطّاطي سريع
سننام ونصحو كعادتنا
مع نفس معدّات الصباغة
بدءاً من الأمواج·
3
مخفورين بالبارود
ندخل ونخرج من أي باب
دون أن نعثر·
لا نقيس الخوف بارتفاع الأسوار
وإنما نقيسه بملاعق صغيرة·
حتى الرطوبة لا تأكل معنا
سوى الفتات·
نتلامس ولكن
ما من صحن سيدور
أو يصبر طويلا من أجلنا·
ستختفي هياكل من السطح،
وهذا هو الأقسى·
4
لو أبصرتُ
لما انتهيت إلى المحيط·
أي تفسير آخر
سيكون حشيشاً·
كثيرة هي الطرق لنصبح عمياناً
وهذه أولها:
لا نلتفت في طريق مرتين·
أليس هذا هو المقصود
بمعنى المسافة؟
نحن على مشارف لحم مغلق
وعصي على الضوء·
دعوني أحزر لي ولكم
أي نوع من الطحالب يصلح
وشماً على رقبة·
5
لا أريد أن أرى
قبة أوسع من الشتاء·
لقد فعلت ما أستطيع
لأتسلى:
حلمت مرارا أنها لم تشمس
وقضيت النهار مقتنعا بذلك·
مشيت مع الظهيرة يدا في يد
على طرقات لا يمشي فيها أحد·
هرعت إلى الشاطئ العام
وسبحت في النهايات·
في الليل تناولت حبة دواء
مغلفة بالشوكولاطة،
وحين آلمني ضرسي
مع الفجر
آلمته·
6
أغادر في اتجاه
وتبقى الحواس ترن
في مكتب فارغ·
هي فقط بصمة على كأس
إذا قورن الأمس باليوم·
بوليفونيا شعوب قديمة
ستحرق هواء الغرفة،
ستفلت الأسماك من شباك العين·
هي الساق على الساق
أمام شاشة بلازما،
وليس هناك فرق
بين أن تشعر في بيتك
أو لا تشعر بدونه·


انتظرتك .. عمري كله .. وانتي حلم
ومرت الايام والله .. وانتي حلم..
ليه تأخرتي علي ..
توهي مره واسالي ..
كوني في غير الزمان .. والا في غير المكان
كوني عمري .. عمري كله..
اللي باقي .. واللي كان..
انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم ..
كل نجمه شعشعت والقلب عتمه .. كانت انتي ..
كل حرفٍ حرك شفاهي بكلمه .. عنك انتي ..
وكل حبي اللي مضى والحب قسمه .. منك انتي ..
كانوا الاحباب ظلك .. بعض احساسك ونورك ..
ما عرفتك يوم كلك .. ياللي في غيابك حضورك ..
انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم ..
هذا إنتي .. قولي والله إنه إنتي ..
وين غبتي ؟! .. عني هذا الوقت كله ..
وين كنتي ؟! ..
شيبت عيني طيوفك .. وما أصدق إني أشوفك ..
ياللي قلبي في كفوفك .. نقش حنا ..
وفي جديلك عطر ورد ..
آتمنى .. لو تكوني في فراغ اعيوني وعنى
وفي سموم ضلوعي برد ..
ليه تأخرتي علي ..
وما طرى لك تسألي ..
ليه نأخرتي علي .. وما طرى لك تسألي ..
إنتظرتك عمري كله عمري كله .. وانتي حلم
البدر
وغابت .. حبيبتي ..
مشى دون أن يحدد وجهته ، تذكر أن عليه أن يراجع طبيبه النفسي كما وعده ، تلاشت الفكرة ، كان يأمل بساعات أخف وطأة . أنشأ يراقب الناس ، ويقول في نفسه : " ما أسعدهم !! لا بد أنهم ذاهبون لبيوتهم ولهم أطفال وزوجات ينتظرونهم ، أما أنا فلا ولد لي ولا زوجة ولا بيت " ، وأخذ يرسم في مخيلته بيتتاً غير موجود له وأطفال .
ينظر إلى جمهور المارة ، يلمح بقايا ابتساماتهم ، وآمالهم وأحلامهم، ويقول في نفسه : " أما أنا فلا ابتسامات لي ، ولا آمال ولا أحلام أيضاً " ، ويقول : " إن كائناً مثلي يجب أن يختفي على الفور .. " .. ولجت نوال إلى ذاكرته كسورة الفاتحة ، تذكر عينيها وفمها ، ثم هبط إلى ساقيها ، حتى وصل إلى قدميها ، تذكر مشيتها ، وتذكر أيضاً كيف خذلته ، وقتلت الأمل في قلبه ...
انتظرها آخر يوم في الجامعة طويلاً ، حتى رآها تدخل كلية الآداب، تلبس ثوباً أصفر ، هذا اللون لن ينساه أبداً ، حلق لها ، وتحلق حولها كنسر ، أومأت له بأدبها الرتيب أنها مستعجلة جداً وأرادت ، فقط أن تتأكد من برنامج الدراسة ، وتعود إلى البيت . لم يسألها أسئلة كثيرة ، كان يراقب وجهها أكثر مما يتكلم ، لم تفهم عطشه المتخلف ، لم تراع انفتاق تفاهاته لها، ابتسم لها ، وطلب أن يرافقها إلى الباب الرئيسي ، رفضت ذلك بأدب ، أحس رفضها آخر طعنة ساخطة توجه له ، ألح عليها ، وقبلت أن يرافقها إلى المكتبة فقط ، وصلا المكتبة دون كلام ، كان متجهماً كنورس ، بمحاذاة باب المكتبة ، طلبت أن يتركها ، أحس أن الطعنة تأخذ مكانها في قلبه ، ألح أن يوصلها إلى ذلك العمود كما أشار ، وتحت نبال إلحاحه سكتت ، حين وصلا العمود ، طلبت أن يفارقها على الفور ، أحس أن الطعنة تتفجر في قلبه ، قال: " أقصد ذلك العمود لا هذا " ، لم تتكلم ، بل انشطرت عنه بعيداً ، وبقي يرقب مشيتها حتى غابت بين زحام الطلبة .
تلك المرأة التي تعبت من الركض أمامي ثم استسلمت .
هربت منذ عامين . وحين أتحسس وجه ابنتي "شيماء" – فقط – أتأكد أنها كانت هنا حقيقة قائمة .
ما حدث معي
صمت برهة ثم فاجأها قائلاً :
يبدو أنك يا سيدة سميحة لم تتعلمي كيف تكونين لطيفة مع الرجال ، وبالأخص الشباب منهم ، فأنا كما تعلمين شاب ووسيم أيضاً ، ولا أخفي عليك أنني أشعر هذه الأيام بميل عجيب نحو النساء ، وتنقصني بعض الخبرة ، وطالما أنك تكبرينني بخمسة عشر عاماً على الأقل ، فأشعر أننا مكملان لبعضنا ، فأنت تملكين الخبرة ، وأنا أملك الصحة والوسامة ، ما رأيك أن نتشارك في هذا اليوم .
ثم قال : إن في عينيك يا سيدة سميحة صلف ، وغطرسة ، لا يمكنني التفكير في غيرهما ، في مثل هذه الأيام المجدبة إلا من عذوبة حضورك ، لكنه – والحق يقال – أن هاتين العينين تطبقان على وهج جميل وآسر ، ولا يمكن لوجهي الصغير هذا احتماله ، ولا يمكن لضآلتي التي تعرفينها ، لا يمكن لها أن تتسع كل هذا البهاء ، صحيح أن صمتك يمزق كبدي ، وأجزاء من قلبي ، لكنني من المحتمل أن أراهن أنك طيبة القلب ، ولأنني مصمم على ذلك ، فقد حاولت أن أزيل معظم الحواجز النفسية بيننا ، لأنني أشعر أننا كائنان خلقا بلا حواجز نفسية ، إنك رائعة يا سيدتي ، وأكثر جمالاً تبدين ، كلما ناظرتك ، لكنك عندما تحولين بصرك عني ، وتنظرين بلا مبالاة نحو ركبتيك ، أشعر أنك تجعلينني أتلثم ، وأكاد أجزم أن عينيك وركبتيك تناقشان مصيري في تلك اللحظة .
ثم قال : إن امرأة رائعة مثلك لا تجعلني أكف عن النظر إليها ، وإسداء عبارات المديح ، أستحق منها أن تقوم معي الآن كي نبحث عن مكان جديد نناقش فيه بعض الأمور ، ونحن أكثر التصاقاً ، فالحميمية هي القرب بعينه ، وأي حميمية أنعم بها الآن وذراعان يبعدانك عني .
ثم قال : لكن صمتك اللذيذ هذا يجعلني أفكر بالتفاؤل ، فهو يكسبك جمالاً فوق جمالك المتناثر فوق رأسي ، أنا يا سيدتي أصبحت أقشعر من العشق ، ويكاد فمي ينقض على شفتيك دون وعي منه .
ثم قال : أما رمشاك الأثيران فهما يلتقيان مع بعضهما بحنو بالغ ، عندما يلتحمان ، أشعر أنهما يتفقان على عقد صفقة من الحب ، ربما لن يدرك ذلك الحنو الشفيف سوى رجل مثلي ، وأظنك توافقينني الرأي ، أما أنفك الذي يبزغ كرأس أرنب صغير ووديع ، لا يمكنني فعل شيء تجاهه سوى الانحناء .
فتحت فمها أخيراً وقالت : إنك تدخن بشهية مفعمة بالارتياح يا سيدي، ولا أدري لماذا لم يقتلك التدخين بعد .
ولأنني رجل مغرر به ، وبالأحرى تم التغرير به على درجة قاسية ، الكل عرف بهذه المأساة التي حصلت لي ، لا أنكر أنني حصلت
امرأة أحببتها ..
تحب فلسفة سنتيانا . وموسيقى ريتشارد فجنر . زارت مدريد مرتين ، وبكلمات مبحوحة تمتمت على قبر فيديركوغارسيا لوركا . حصل ذلك عندما فازت بقصتها الأخيرة " نهابة سعيدة " . وعندما تزوجت .
تزوجت من رجل هندي قليل القامة ، لكنه صاحب أعمال . وبشرته ما تزال بيضاء صادفها على ضفاف الخليج العربي . قرأ من سمرة خديها أنها عربية . وفي عينيها حنين آسيوي . خلعا ملابسهما . وتسبحا في مياه الخليج . وبعد شهرين تزوجا .. رجل عطوف أصلاً . فأخذت تتلو على مسمعه أشعار فولتير وبابلو نيرودا وأبي نواس . إلى درجة أرهفت إحساسه. فراح يمقت العنف ويدعو للتسامح ويوافقها الرأي . حتى فتك به السرطان.
درست علم اللاهوت في جامعة الكولج دي فرانس . وتعلقت بجيمس ورويس وفردريك نيتشه . حتى أنها زارت المارستان . وشاهدت السرير الذي كان يهجع فيه نيتشه فترة جنونه ...
ولكن السنوات تجري . بلغت الستين في مارس قبل الماضي . في حفل تأبين الزوج قالت " والآن لا شيء يزعجني . عندي ميناء أرسو به . بلدي . إنهم ينتظرونني بلهفة "
وصلت المطار وتريثت قليلاً . لعلهم علموا بقدومها . ثم قالت في نفسها " إنهم لا يتابعون الصحافة الأجنبية " جلست في الفندق نحو أسبوعين وضجرت ، لم يسأل عنها أحد ، نزلت في المصعد إلى موظف الاستقبال . إنه الشيء الوحيد الذي يبتسم لها .
" أريد أن أعيش في قرية دافئة وهادئة " قالت . تبادله ابتسامة ذات فخامة " .
ولكن السنوات . إلى أين تجري .
قال لها سائق المركبة الصفراء : " هذا هو الغور . عليك أن تحذري. الناس هنا لا يموتون بسبب يد عزرائيل . الناس يموتون من الملاريا ".
" لعلهم لا يعرفون أني مشتاقة لهم "
وجلست في بيت حواليه ذباب وغبار . ظلت تقرأ الجريدة الرسمية كل صباح ، تنتظر وتشرب الشاي كما يفعلون . لكن الشيء الذي راعها هو صورة لامرأة تشبهها تماماً في الثانية والستين . معلقة في عرض الجريدة ، كتب أعلاها " دعوة للتعرف إلى جثة "
" لعلهم ... لا .. يعرفون "
أسرار خاصة ..
" عمي هو حباب الخشبار ، ردحاً من الزمن وأنا أظنه والدي ، يأخذني برفقته حين يسافر ، كما يأخذ الكلاب والحمير وقطيع الإبل والماعز، وحين كان يزعق في وجوه أبنائه ، كان يزعق في وجهي أيضاً ، وعندما تسيل الزبدة على طرفي فمه ويغضب ، كان يضربهم ، ويفعل لي ما يفعل لهم ، وأزعم أنني لم المح في شاربيه الطويلين ، أية كراهية تجاهي ، أرعى قطيع الماعز مع أبنائه الثلاثة ، خليل ، وفراج ، وسويلم ، ولحسن الحظ فأنا أكبرهم جميعاً ، وإذا ما استدعت حاجة للاشتباك معهم ، كنت الوي معظم رقابهم تحت إبطي ، ولم يكن هذا ليزعج عمي ، بل أذكره يتطلع نحونا ويبتسم ، ولم ألاحظ أية نقمة في نظراته تلك ، بل واصلت نهجي ، بحيث أصبح هؤلاء الأخوة يخافونني على نحو واضح . وبينما كنت مستلقياً على ظهري أراقب النجوم وأعدها ، متأملاً في ليلة صيفية قل نظيرها ، اقتحم عمي تأملي قائلاً : " لقد كبرت يا سعدان ، ولم تعد رجلاك قصيرتان " . وضحك ، ثم جلس بجانبي ، واستغربت قربه لي فلم يفعل وأن اقترب مني . ثم قال : " اسمع يا ولدي ، أنا لست والدك ، والدك مات منذ زمن ، وأنت لم تزل طفلاً رضيعاً ، خفت عليك أن تضيع في القبائل ، وتصبح خادماً ، لهذا تزوجت أمك ، ولممت شملك بي ، هذه هي الحقيقة ، أما وقد أصبحت كبيراً، أحببت أن أخبرك كي أستريح ، أنها أمانة تطوق عنقي ، دامت كل هذه السنين ، والآن أنا مرتاح نعم ، مرتاح لأني أخبرتك بهذا بعد أن كبرت واطمأنيت عليك ، وأنا متأكد من أنك استويت رجلاً لا يشق غباره " .
هذا ما جرى في هذه الليلة القائظة ، وما أدهشني هو أن عمي حباب، قلما يكلمني ، وإن فعل فإن كلماته تكون محاطة بالقسوة ، التي تجعلني أرتجف وأنقبض في داخلي ، فرحت ، لأنه حدثني بصوت عادي يقترب من الهمس ، وفرحت أكثر لأن هذا الرجل ، ليس أبي ، لقد شعرت طوال تلك السنين أنه قد حتم علي محبة هذا الإنسان ، ببساطة شديدة لأنه أبي ، أما الآن فأصبح لدي خيارات أخرى ، أبهجني هذا النبأ ، وكنت مأخوذاً به لعدة نهارات أخرى ، وأصبحت أميل إلى الانعزال عن أبناء عمي، وعندما يضربونني كنت أسامحهم ، ولا ألاحقهم كما كنت افعل ، ولم أكن أستطيع فعل شيء أمام نظراتهم المحدقة دهشة في هدوئي المفاجئ ، فأضطر للابتسام لهم ومجاراة بعض ألعابهم أيضاً ، أصبح يخطر ببالي أن أتخيل والدي فأقول في نفسي : " إنه يشبه عمي تماماً ، لكنه لا بد يكون حنوناً وصوته أقل سطوة " ، والمربك أن النوم أصبح يخاتلني ، ويأبى أن يدخل فراشي ، فأسرح في دنيا متخيلة ، وغريبة أسأل نفسي : " لماذا خبأ عمي نبأ وفاة أبي كل هذا الزمن " ، هذا السؤال المربك والمعذب ومع أن جوابه قد لا يكلف عمي جملتين ، لكنني لا أستطيع تدارك أمري ، واقذف بسؤالي عليه ، رجل أشرف على تربيتي أعواماً كثيرة ، أوهمني خلالها أنه أبي دون هوادة ، بل أذكر أن عمي ينفق وقتاً كثيراً في التحديق بي ، أينما ذهبت ، ينظر في وجهي ، ويتحسس أكتافي بيديه ، ثم يأخذ بتبريم شاربيه النافرين ، وجه عمي كان مستطيلا ، ووجه أبي لا بد مثله ، هكذا أتخيله الآن بحرية ، وعيناه كانت واسعتين مثل عيني عمي، ربما فيهما بياض وصفاء يشبه الثلج ، أجل الثلج هو العلامة المميزة في عمي ، فكل عيون الناس كنت أشاهدها مغبرة ، ومصفرة إلا عيني عمي حباب ، أجمل سنوات عمري قضيتها برفقة هذا الرجل وعندما أتذكر ابتسامته الحانية أشعر بتأثر بالغ ، وتفاجأني حشرجة في صدري ، تحدث حفيفاً كحفيف الأشجار ، ولأنني قلما بكيت في حياتي السابقة ، عددت هذا التغير علامة بارزة في حياتي ، وعندما اقتربت الشمس من الأفق شعرت بألم بالغ في رأسي ، اضطررت حينها إلى الاستلقاء على الأرض ووخزتني شوكة في فخذي ، وأخرجتها على الفور ، تمددت وأصبحت أرى جزءاً يسيراً من الأفق وبعض الماعز ، خفق قلبي بعدها ، وأنا أشاهد قامة عمي مقبلة علي ، وقال : " أنت اليوم متعب يا بني ، يجب أن تستريح " ، واستراح هو أرضاً ، واضعاً منديله الأبيض تحت رأسه ، وتسنى لي رؤية خصلة من شعره الأشيب ، ولأول مرة أشاهد الشيب يلمع في رأس عمي ، وراقني أن أسأله عن هذا الشيب الجديد ، لكنني لم أفعل . بعدها وجدت عمي يعدل جلسته ويقرفص ، ففعلت مثله على الفور، وقال لي : " اسمع يا بني ، سأقول لك سر ، أنا أحببتك دون أولادي ، وربيتك أفضل تربية ، وأريدك أن تنفصل عني ، ربما تكون افضل حالاً مني ، أخاف أن أتركك معي فأظلمك ، أخالك أصبحت شاباً ، جزل العود ، وفيك قوة أكثر مني الآن ، إن أحببت أن أتركك أنا ، فسأرحل غداً ، وإن أحببت أن ترحل أنت فارحل .
قلت : " لا تقلق علي يا عمي . أنا سأذهب غداً ، وأتدبر أمري كما أردت لي وكما ربيتني سأبقى " . وكان صوتي لحظتها قد تغير ، أصبح غليظاً ، وكنت مصغياً جداً لصوتي . وفجأة وجدتني أحضن عمي حباب الخشبار وأبكي ، وأذكر أنه حاول أن يدفعني بداية ، لكنه لم يفلح في إبعادي، وعاودت احتضانه وتقبيل وجهه وأنا أقول : " أين أبي يا عمي !! ".
-محمود العزامي-
خلق الله ذات يوم عصفوراً صغيراً جداً ، فراح يبحث عن خشاش الأرض ، ولم يجد شيئاً يأكله فمات ، تكلس مع الزمن وأصبح حجراً صغيراً جداً ، ولكونه صغيراً ، ومنتوف الريش أيضاً ، أطلق الناس عليه "حصوة" استخفافاً بوزنه ، وبشرف أمه ربما ، لكنه أخذ يكبر شيئاً فشيئاً بسبب عوامل طينية ، أو إلهية ، لا أحد يدري ، لكنه بقدرة قادر ، أصبح كبيراً ، وحوافه العلوية يمكن الاستراح عليها بطمأنينة .
ويقال أن ثمة عاشقين ، مارسا الرعي قرب الحجر ، وكانا يلتقيان كلما خيم الليل جنحه ، يجلسان فوقه ، ويبوحان ، لا أحد يسمع بوحهما سواه، وحين كشف أمر العاشقة ، عوقبت بالضرب أولاً وبالقيد ثانياً ، أما العاشق ، فنحل جسمه كثيراً وأصبح فيما بعد يثير تقزز رجال ونساء المضارب ، أما الحجر فيمر عليه الليل والأشباح ، والصباح والمساء كأصدقاء قميئين ، وهو جاثم ، لا يعطي أحداً فرصة للنسيان ، أما العاشقة فمرت عليها صباحات كثيرة ، لكنها ناشفة ومتعبة ، ويقال أنها أخذت تذبل وتذبل ، حتى برزت عظام وجهها ، واسودت شفاهها الجميلة .
بقي الحجر يقف بعناد ، وكأنه يدعو الرعاة إلى شيء ما .
وعندما شوهد حالة العاشقة ، فك أسرها ، وأصبحت طليقة الأرجل والأيدي ، وأول شيء فعلته ، ذهبت إلى الحجر ، وجلست فوقه وبكت بصمت مدة من الزمان ، أما العاشق فبقي منغمساً في جنونه ، يقضي يومه في صيد العصافير ، ويجري خلفه لفيف من الأطفال فرحين مهللين وهو يضحك مثلهم ، ويقفز إذا قفزوا ...
وعلى ذمة الراوي وهو أحد الرجال ، قال : بلا مودة ، وبلا كلام كثير ، تممت العاشقة آخر أيامها ، وقال : إنها في الفترة الأخيرة كانت تبكي لأتفه الأسباب ، وتمتنع عن الطعام أيضاً ...
منذ ذلك العام والربيع يمر كل عام ، ويتبعه الخريف ، والصيف ، والشتاء ، والحجر ذاته يعلو التلة ، يكاد أن يزقزق ...
-محمود العزامي-
القهوة
و المنديل
الذي يلم نعاس شعرها
صياح بائع الغاز
و غبار القمر الربيعي
الذي ينسكب على النافذة
كلها إشارات , تثبت انتماءها لنا ...
قالت لي , و هي تنظر للمرآة , :
اسمك يحاذي جمال عبد الناصر
" لكن الحي أبقى من الـ .... "
تشبه رجال الخمسينيات في أناقتهم
, تسخر مني ,
و شباب السبعينيات في عبثهم
, صادقة هي ,
لكنك رغم هذا لا تشبهك ...
تقول عن زوجها / ذي الطيش المتأخر :
يعود صباحا لينام
يذهب مساء (( لأنام ))
متفاهمان نحن , كفراخ البط ...
أقول إنها امرأة
و تقول إنها امرأة
و الرجال
يرتدون قبعاتهم في المطر
يرتدون قبعاتهم في الخريف
يرتدون قبعاتهم في الفراش
و هي ترتدي نعلين
يصلحان للرياضة
و الغناء
و أحيانا
لضرب الأطفال " للتربية فقط "
يخبرني الجميع / رجالا و نساء
أنهم يرتدون قبعاتهم
و هي أيضا
الرأس للقبعة
القدم للجوارب / أو للعب الكرة
المطر للحقول المتهيجة
و الغيوم لسماء مصابة بالانفلونزا
و الذكريات ليست للبكاء
...... فقط لأذكر أنها قبعة !!!!
-ميزو-
Pink Panther
عصريات كثيرة مضت ونحن رفيقان
المشية الغريبة ، والضحكة الشريرة
غير القابلة للتكرار أو النسيان
والروقااااااااااان ،
الروقان الذي لم يعد
يطل كثيراً
Columbo
البالطو الطويل ، والسيجارالذي لا يدخنه
وإلتماعة العينين ، والزوجة التي يتحدث عنها
دون أن تظهر مرة واحدة ،
والطريقة التي يهرش بها جبهته فوق حاجبه ،
والأسلوب الذي يملي به لطريدته
والابتسامة التي لا تشي بانتصار بل بفهم
كولمبو ، اشتقت كثييييييراً
أنيس وبدر
لِمَ كان على أنيس أن يقلق ؟
ولِمَ كان على ليل بدر أن يكون طويلاً ؟
لِمَ كان عليهما أن يقتسما قطعة الكعك بالتساوي ؟
ولِمَ كان على أنيس أن يتولى عملية القسمة ؟
لِمَ .... ؟ لِمَ .... ؟ لِمَ .... ؟
لِمَ خلتِ الأيام منهما بغتة ؟
Alf
ربما كان من يعرفونك قلة ،
لكني أعرفك وهذا يكفي .
ألف القادم من كوكب بعيد
الكائن الذي أضاع الطريق إلى
كوكبه فوجد نفسه على الأرض
الكائن ذو العينين السوداوين كليل
الكائن الذي يفتح فكه السفلي
ببطء لا ينسى عندما يدهشه شيء
الكائن الذي عبرني ولم أنسه
وأظنني لن أفعل
TOM and JERRY
المطاردات التي لا تنتهي
والمكائد والأحابيل
والضحك الذي يخرج من الأعماق
العداوة الحميمة ، والصداقة اللدودة
وليس ثّمَّ غالب أو مغلوب
هناك فقط براءة الأيام الأولى
-ليانا-
غداً عندما تشرق الشمس يبدأ يوم الجمعة .. ولست أدري من الذي سماه جمعة ، لِمَ لم يسموه عبد الفتاح أو خليل أو رسمي أو ..
جمعة .. ( - ب - ) فُعْلَةٌ .. جم .. نصفه الأول يوحي بفعل أمر معناه : غادر .. قم ..إنقلع ..
وعة .. صوت كلب صغير لم يبلغ السادسة ولم يذهب إلى المدرسة .. لهذا نلفيه يلثغ في
( عو ) ..
والجيم هو من الأصوات الشديدة : من أنصار ( أجدك قطّبت ) ، والميم صوت يبكي جاء حظه بين الشديد والحلقي المنفجر ( ع ) .. والهاء التي أصلها تاء مهملة في الغالب هي من أصوات ( الهتة الضعيفة المدمّاة ) .. وكأنما ينتهي الجمعة بانكسار ما .. هزيمة ما .. ذبوووول ما ..
هي حقائق حول هذا اليوم : لفظىً ومعنى ..
وحدت بي بعض نوائب الدّهر أن أهجو هذا اليوم ... فقلت :
الجمعة له عندي ذكرى مؤلمة :
مهما أصلحتَ من هندامك يا يوم الجمعة ؛ سوف لن نكونَ أصدقاء كما كنّا .
مهما ابتسمتَ لي وأعلمُ أنك تجاملني - مثلهم - لن أحبكَ كما كنتُ أحبكَ .
مهما حاولتَ معي ؛ وأرسلتَ لي رسائل على الخاص ، لن أعزمكَ على قهوتي الآنَ ، ولن أمدّ إلى شفتيكَ سيجارة من سجائري ، لأنكَ - ببساطة - سرقتَ أنثاي ذاتَ صباح ، وبدّلتها بصرّةِ حزنٍ لمْ تزل جاثمة في قلبي ..
مهما بعثتَ لي - نكتكَ - على الجوّال : لن نتآخى كما كنّا ، ولن نفكّ رقابَ قناني الخمرة معاً كما كنّا نفكُّ ..
مهما حاولتَ دغدغة مناطقي التي أغار ؛ وأضحكُ بلا معنىً ، لنْ أضحكَ من دغدغاتك بلامعنًى أو بمعنىً ، وسأشكوكَ .. أشكوكَ لكتبي ونبوءاتي كلّها وأقولُ : لمْ تستفدْ من صلوات النّاس الطيبينَ فيكَ ، بقيتَ لئيماً مثلَ موعدٍ يستباح ..
ومهما حملتَ لي أخبار مفرحة ؛ سوفَ أترجمها في داخلي بطريقتي ، لأني اعرفكَ : تخدعُ كي تستوطنَ ثمَّ تضربُ ..
ومهما سمعتُ الآذان يخرجُ من أحشائك الحبلى بالحزن : لنْ أُقم أيّ صلاةٍ فيكَ .. سأبني ههنا في داخلي مسجداً لا يشبهُ مساجدكَ ، واصلّي .. أُصلّي حتى يملل مني ..... ويشفقُ على طرطقة ضلوعي : مئات الركعاتِ التي أنفقتها بلا معنىً أو بمعنىً : الآنَ تعاتبني ..
ومهما ومهما ..أسهر في الليلة التي تسيقك حتى قبيل فجرك الكاذب : أنامُ طولكَ وعرضكَ : كي لا أراكَ في طريقي ..
أيليقُ هجائي بما فعلتَ بي يا طفلي المشاغب ؟؟ ..
-محمود العزامي-
وديع سعادة
هذه البحيرة ليست ماء. كانت شخصًا تحدثتُ إليه طويلاً، ثم ذاب!
ولا أحاول الآن النظرَ إلى ماء بل استعادةَ شخص ذائب.
كيف يصير الناس هكذا بحيرات، يعلوها ورق الشجر والطحلب؟!
قطرةً قطرة ينزل الموتى على بابي
ومركبٌ يتوقف من أجلي تحت الشمس
وجالية فقيرة من الرعشات تعود إلى الرمل.
لم أرتجف. لكني جُننت. الماء بارد لكني لم أرتجف. فقط ارتعشتُ قليلاً. ثم جُننت.
على سطح البحيرة ورقة، كانت عينًا. على الضفَّة غصن، كان ضلعًا بشريًا.
أحاول الآن جَمْعَ الأوراق والغصون. أحاول جمع شخص كنت أحبُّه.
لكن مرَّ كثيرون من هنا، جمعوا ورقًا وحطبًا ليشعلوا مواقدهم.
لن يتمَّ أبدًا جمْعُ شخص. لن يتمَّ جمع أعضاء كاملة. كثير منها احترق.
مع ذلك لا بدَّ من أن أعيد شخصًا كنت أحبّه. على الأحبَّاء أن يعودوا إذا ناديتهم. عليهم أن يعودوا ولو كانوا ماء. لو كانوا أمواتًا. لو كانوا طحلبًا… على الطحلب أن يصير إنسانًا حين تستدعيه. ويأتي لو مبلَّلاً، لو مترهّلاً، لو عفنًا. عليه أن يعود صديقًا ولو مات منذ ألف عام.
يجب أن تكون هناك طريقة ما لجمع الناس عن الضفاف. طريقة لإعادة الأوراق والأغصان الطافية على البحيرات، بشرًا.
لم أرتجف. الأعضاء ارتجفت. وكان عليَّ أن أسدَّ الفراغ بين مفاصلها كي أوقف ارتجافاتها وتهدأ.
ولكن، كم طويلةٌ المسافةُ بين مفصلين! وكم أحتاجُ إلى ردم لسدّ الفراغ بينهما!
كم هي طويلة المسافة بين ضلع وضلع!
أجري بطيئًا، مثل آخر نقطة ماء نزلتْ، وتأخرتْ عن السيل.
أجري بطيئًا زاحفًا للالتحاق بالجريان، وأتبخَّر رويدًا رويدًا.
لن أصل. بعضي سيصير في الفضاء. وبعضي سيغرق في الأرض.
تأخرتُ عن رفاقي ولن أصل. أزحف لكني لن أصل.
قطَعٌ مني أفقدها، وقطعٌ ترافقني منهَكَة، وقطع تصير هباء.
حتى إذا وصلتُ، أيُّ شيء مني سيصل؟!
حولي عشب وحصى وتراب. طيرٌ ينقدُ بعضي. ونملٌ يأكل بعضي. وبعضي للعشب والحصى والتراب.
أجري بطيئًا وفوقي يصعد خيطٌ مني، وتحتي ينزل خيط مني. أجري بطيئًا بين إبرتين، تخيطان عدمي.
نزلتُ آخرَ نقطة. كنتُ في غيمة ونزلتُ. هل أنا الباحث عن شخص ذائب أم أنا الذائب؟ أم أني، من كثرة البحث عن ذوبانه، ذبتُ مثله؟
وصرتُ، عوض أن أبحث عنه، أبحث عني!
أرى على الطريق أشخاصًا عابرين. بعضُ ما بقي مني يرى أشخاصًا. هؤلاء، على الأرجح، لم يفقدوا شخصًا أحبُّوه. أم أنهم فقدوه، ومع ذلك يكملون الطريق؟!
لا أعرف كيف لا تتوقف أرجلنا عن المشي حين نفقد شخصًا نحبُّه. ألم نكن نمشي لا على قدمينا بل على قدميه؟ ألم تكن النزهة كلها من أجله؟ ألم يكن هو النزهة؟
كيف يمشي واحدٌ إذا فقد شخصًا! أنا، حين فقدت شخصًا، توقفت. كان هو الماشي وأنا تابعه. كنت الماشي فيه. وحين توقَّف، لم تعُدْ لي قدمان.
تأخرتُ وزاحفٌ وأتبخَّر. كيف إذن سأُعيد شخصًا ذاب؟ أليس عليَّ بالأحرى أن أعيد أولاً نفسي؟ أن أعود على الأقل قطرةَ ماء كاملة، تنزل على ورقة، على عين، على ضلعٍ على ضفَّة؟
أليس عليَّ، لكي أُخرج من الطحلب شخصًا، أن أكون على الأقل من ماء البحيرة؟
تأخرتُ ولن أصل. كلُّ ما أفعله أني أرى، أرى من بعيد. رؤيةٌ مشوَّشة من عين شيء لا هو غيمة، ولا هو ماء، ولا جماد ولا بخار.
إني، إذن، لا أرى.
كلُّ هذا مجرَّد خيال. عتمةٌ تستجدي عتمة. ولن أرى ولن أصل ولن أستعيد شخصًا ولن أعيده…
إني، فقط، أحاول أن أزحف. أحاول أن ألحق برفاقي.
لكنهم صاروا بعيدين، بعيدين جدًا.
ربما كنتُ في الماضي شخصًا يبحث عن شخص ذابَ أو ربما كنت أنا الذائب. الآن، حتى ولا قطرة. وفيَّ تماهيَّ المرعب بين الماء والبخار والشخص، أبحثُ عن إسمٍ أعرّفُ به نفسي حين ألتقي النمل والعشب والطير. أنت الزاحف مثلي، ستتوقَّف حتمًا على نتوء. ارسلْ لي من هناك نداء، وبه سأسمّي نفسي.
متماه بين ماء وجماد وبخار. مع ذلك لي مفاصل!
ومفاصلي بينها فراغات. ترتطم المياهُ بها، ترتطم الرياح بها، ويرتطم الناس.
ناسٌ كثيرون يعبرون الآن بين مفاصلي. لا أعرف من أين يأتون ولا إلى أين يذهبون. لكنهم يرتطمون بعظامي.
ناسٌ التقيتُهم مرَّة، ناسٌ التقيتُهم مرات، وناس لم ألتقِهم… لكنهم يتدفَّقون الآن، ويدقُّون على عظامي.
عليَّ أن أفتح هذه العظام لكي يدخلوا.
لو كانت هذه العظام بابًا!
من أين جاؤوا؟!
أظنُّ أن الذين ننظر إليهم يدخلون في أجسادنا عَبْرَ عيوننا ويصيرون دمًا ولحمًا.
وبعضهم يصير من المارة التائهين بين مفاصلنا.
… ونستمرُّ، هكذا، نسمع طَرقات على عظامنا.
إني أسمع الآن دقَّات ماء
وعليَّ أن أفتح .

مختارات
ناني بالستريني
من ذاك الذي
يحبه جمهور الشعر؟
تظاهروا بأنكم تتساءلون حتى إذا كنتم تعرفون الجواب جيداً
تواطأوا في اللعبة لأنكم نبهاء وطيّبون
جهور الشعر لا يحبّني أنا
وهذا أمر يعرفه الجميع فهو يحبّ آخر
لست أنا سوى أحد خدمه الكثيرين
أو لنقل رسله إذا كنا نتوخى التأنق
جمهور الشعر يحبّه
هو
هو فحسب
ودائماً هو
هو الذي لا يمكن توقّعه أبداً
هو الذي لا يمكن ممارسته أبداً
هو الذي لا يقبض عليه أبدا
هو الذي لا يلين أبداً
هو الذي يتجاوز دائماً الإشارة الحمراء
هو الذي ضدّ نظام الأشياء
هو المتأخر على الدوام
هو الذي لا يأخذ شيئاً قطّ على محمل الجدّ
هو الذي يضجّ طوال الليل
هو الذي لا يحترم أي شيء على الإطلاق
هو الذي يخاصم غالباً وبطيبة خاطر
هو الذي يظلّ صفر اليدين
هو الذي يتكلّم حين يتوجب الصمت
ويصمت حين يتوجب الكلام
هو الذي يفعل كلّ ما لا يلزم فعله
ولا يفعل شيئاً مما يلزم
هو الذي لا ينفك يظنّ نفسه لذيذاً
هو الذي يحبّ الفوضى من أجل الفوضى
هو الذي يتسلّق المرايا
هو الذي يعشق الهروب الى الأمام
هو الذي يحمل اسماً مستعاراً
هو الحلو ككعكة بالسكر
والمفترِس كمتاهة
هو الذي أجمل ما يمكن أن يكون
جمهور الشعر يحبّه
من ؟
أحسنتم يحبّ الشعر
وكيف يمكن جمهور الشعر ألا يحبّه ؟
ولمَ يحبّ الشعر تتساءلون ؟
ترى لأن الشعر ربما مفيد
يغيّر العالم
يسلّي ؟
ترى لأنه يخلّص النفوس
يحسّن الأحوال
يضيء يريح
يشرّع الآفاق ؟
بل جمهور الشعر يحبّ الشعر
لأنه يريد أن يكون محبوباً يريد أن يكون محبوباً
لأنه بعمقٍ يحبّ ذاته ويريد أن يطمئن
إلى مدى عمق حبّه لذاته
وجمهور الشعر لحسن حظّه
يتوهّم فحسب أنه يصغي الى الشعر
لأنه لو كان يصغي إليه حقاً لفهم
استحالة حبّه اليائسة ولا جدواه
ولكان دأب على صفع نفسه من الصباح حتى المساء
لحرق كلّ الكتب المعروضة في الساحات
ولألقى بنفسه في الأنهر
أو لأنهى أيامه التعيسة في أحد الأديرة
لأن الشعر
موجع هو الشعر
لكن لحسن حظّنا
لا أحد يودّ أن يصدق ذلك.

الجسرُ هُتافُ الممرات
محمد الفوز
لبّى " الإكسيرُ" ظمأ ً عابرا
علّقتهُ جهة ً قصيّة ...
في مدينةٍ ما
تلك التي سُئل عنها جلال الدين الرومي :
حين ائتلقَت عيناهُ /
كأسرار ِ حمورابي ؛ التي خبأتْ الآشوريين
في "مسلَّةِ إعجاز ٍ"
هو .....
يكابرُ /
هو .....
يثقلُ خطوة َ اللقاءات
و لكنه -تماما- مثل "جلال الدين الرومي"
عشقَ (المدينة) التي اختطفَ فيها قلبه
-ذاتَ غمزةٍ-
راقت له ....
فارتبكتْ مجامرُ الأبد
في سؤال ٍ قديم ٍ
أي ذاتٍ تحويك ؟
هل الرمشُ الذي يمحو تجاعيد الذاكرة ؛
هو ثمنُ البكاء ؟!
و أي بكاء ٍ ...... و الرجلُ صعبٌ لا يدمع إ
لا في احتضاراته الجادة ؟!!
هل الذواتُ "لؤلؤة المساء الصعب"
التي سوّرتْ مراهقة الشاعرة لطيفة قاري
و حوطتها الحاسة السابعة
بثناء ِ الغربة ؛
و إضبارة َ المواعيد المؤجلة
الـــ تتجلى / الـــ يميّعُها "العراقي"
و هو موّالي الحزين
أوقّعُه مقامات نهاوند
كي أرقص "قليلا" معك / فيك .....
أجولُ الخواطر ؛
و أسكنُ "البحر"
حيثُ الخليج العربي (ساحلنا الشرقي)
الذي هدَّ أطنابه
كي يتخذني أنفاسا " خيمة "
و هو الذي ما ودّعك /
ما ودّعني ؛
إلا ليضمّنا -معا- في وليمة ٍ خالدةٍ
تباريها الأضواء
و يهيؤها "طفلٌ بسّامٌ"
و حوله أغنياتُ هارون الرشيد
التي تهديء فزعه .....
لستُ فزعا ؛
و لكني "شاعرٌ" أغرقُ في رهافةِ أنثى /
جاءتني و لم .....
جاءتني و انتهى احمرارها
في "السلامِ"
و لن تعود /
إلا .....
إلا و "ذاتي/ذاتك" خيّالُ الشوق ِ
يخطهما دربَ حنان ِ
أغبطُ "الربّ" أنه خلقنا ....
و بدأتْ سيرة ٌ أخرى ؛
كلها حفاوة ٌ
كلها غرام ٌ ...
كلها " ممراتٌ هادئة"
سوفَ أرفقها الإعصار ؛
كي نتشرد قليلا
فالهدوء الـــ يباريكِ
هو غضبٌ أخلّده .........
مقامك ِ يا كيمياءَ القدر /
و حزنَ "مريم" التي أعذرها
لعذر ِها ....
و أعاتبكِ ؛ لأنَ ذاتكِ
ترجمها آخرٌ ....
//
و صار ظهوركِ "وشيكَ التجلي"
و لكنني ....
أهبُ الإكسيرَ "ضياعه"
كما وطّنته بكِ /
لك ؛ نيّة ُ القرية ِ التي رسمتْ وجهي "طفلا"
على الحيطان /
أضحك .. أضحك .. و لمّا أتيتُ
للمدينةِ ..../
حاصرني التعب ؛ فاختلفتُ أكثر .....
و صيّرتُكِ الحُمّى ...!!

صلاح جاهين
مختارات من رباعياته
أنا شاب لكن عمري ألف عام
وحيد لكن بين ضلوعي زحام
خايف و لكن خوفي مني أنا
أخرس و لكن قلبي مليان كلام
عجبي !
يا باب يا مقفول ... إمتي الدخول
صبرت ياما و اللي يصبر ينول
دقيت سنين ... و الرد يرجع لي : مين ؟
لو كنت عارف مين أنا كنت أقول
عجبي !
إنسان أيا إنسان ما أجهلك
ما أتفهك في الكون و ما أضألك
شمس وقمر و سدوم و ملايين نجوم
و فاكرها يا موهوم مخلوقه لك
عجبي !
يا طير يا عالي في الســــــما طز فيك
ما تفتكرشي ربنا مصطــــــــــفيك
برضـــــــــك بتاكل دود و للطين تعًًًًودً
يتمـــــــص فيه يا حلو .. و يمص فك
عجبي !
تسلم يا غصن الخوخ يا عود الحطـــــــــب
بييجي الربيع .. تطلـــــــــــع زهورك عجب
و انا ليه بيمضـــــــــــي ربيع وييجي ربيع
و لسه برضك قلــــــــــــــــــبي حتة خشب
عجبي !
ياللي انت بيتك قش مفروش بريش
تقوي عليه الريح .. يصبح ما فيش
عجبي عليك حواليك مخالب كـــــبار
و ما لكش غير منقار و قادر تعيش
عجبي !
سمعت نقطة ميه جوه المحيـــــــط
بتقول لنقطه ما تنزليش في الغويط
أخاف عليكي م الغرق .. قلـــــت أنا
ده اللي يخاف م الوعد يبقي عبيط
عجبي !
غمض عينيك و ارقص بخفة و دلع
الدنيا هي الشابة و انت الــــــــجدع
تشوف رشاقة خطوتك تعبــــــــدك
لكن انت لو بصيت لرجليك ....تـقع
عجبي !
أنا اللي بالأمر المحال اغتــــــــــــوي
شفت القمر نطيت لفوق في الهـــــوا
طلته ما طلتوش إيه انا يهمنـــــــــي
و ليه .. ما دام بالنشوة قلبي ارتوي
عجبي !
يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك و احكي علي بلوتك
الغنوه مش ح تموتك إنمــــــــــا
كتم الغنا هو اللي ح يموتــــــــك
عجبي !

في يدي كانت زعفرانة تبكي ..
وفي ارتعاشة يدي كانت ثمة قبلة ترتعش ..
الزعفرانة ترتعش في كفي عندما ناديت على قلبك :
ألا ترقد في فجوري قليلا ..؟؟
فجوري كله عصافير مذبوحة لكنها ليست مثل ارتعاشة يدي تبكيك ..
في كل غرفة نبضة واحدة ..
من سوف يجمع النبضات من تراب المقبرة ..
ألا تدخل في الرمل مثلي ..؟؟
فجوري كله مطر حامض يحصد الحب من كوننا ويجلس في بساط القصيدة ويبكي ..
حاول أن تدور وتدور وتدور وتدور وتدور
لعل الأرض توقف دورانها ومثلك تجلس في بساط القصيدة وتبكي ..
وفي كل ردهة : قطرة دم واحدة
كل اقحوان الأرض من شفتيها يموت..
الكون في يديها طفل مفجوع يغني ..
ومن منا ذلك الطفل ..؟؟
من منا السنونو يسبح في دمه ويجلس في بساط القصيدة ويبكي .
حاول أن تدور
در عجتي در دمائي در حبال موتي في التراب الأثيم واجلس هناك في بساط القصيدة وابك..
كل الذين ماتوا الآن أرقب ضحكاتهم
الآن يولدون
يموتون
يبسمون
أسجل خارطة الموت وأجلس في كفن القصيدة وأبكي ..
وأبكي ..
وأبكي ..
-محمود العزامي-
أخذت أراقب منظر ابتلاع البحر للشمس الحمراء، ارتفعت عيناي لرؤية الغيوم النارية ..وبدأت بخيالي أنحت الغيوم..لقد نحتها على شكل ساكني القصر كما أتخيلهم ..
أرملة حزينة، أمير وسيم متسلط ، خدم يعانون عند تنظيف هذا القصر!، مظلومون يعذبون بكل قسوة و وحشية في تلك الغرفة التعيسة ...
التفت ورأيت حصاناً خشبيا هزازاً خلف الطاولة ..اتجهت إليه وهززته بخفة...، فأخذت أرقبه وهو يهتز للأمام والخلف...فقلت: ومن يدري قد تكون هناك طفلة لاهية ..تملك طاقة كامنة من اللعب والمرح والفرح..تنشره في هذا القصر الكئيب، شعرت وكأني أسمع صدى ضحكات هذه الطفلة ترن في أذني....وتجوب القصر ذهاباً وإياباً.
-دمية-
غونزالو روخاس
ترجمة: جمانة حداد
هذه الليلة لمستكِ وأحسست بكِ
من دون أن تهرب يدي أبعد من يدي،
من دون أن يهرب جسدي، ولا سمعي:
أحسستُ بكِ
كما لو كنتِ هنا.
خافقةً
كدماء أو كغيمة شريدة
في أنحاء بيتي، عتمةً صاعدة،
عتمة نازلة،
على رؤوس أصابعك
كنت تركضين وتبرقين.
ركضتِ في أنحاء بيتي الخشبي،
شرّعت نوافذه
وأحسستُ بك تنبضين الليل كلّه
يا ابنة الهاويات،
صامتةً، مشاكسة،
مرعبة مرعبة، جميلة جميلة
حدّ أن كل ما هو موجود بالنسبة لي
من دون شعلتكِ
ما كان ليكون موجوداً.

قطيع الوعول يموت من الظمأ
حسين حبش
تركنا خلف ظهورنا قطيع الوعول يموت من الظمأ
ألَّفنا قصصاً
وأدرنا وجوهنا إلى المنافي البعيدة خلف البحار
شممنا الغربة فآلفتنا
نسينا ورود حبنا الأول هناك في خزائن الأشجار
ولم نعد نتذكر حبال الغسيل التي اشتاقت إلى ثيابنا
لم نعد نردد كلمة "أمي" العزيزة على قلوبنا.
تيبسنا، جفَّتْ ينابيعنا على طاولات القضاء
أنهكتنا الرسائل،
ليست رسائل الأهل ولا الأصدقاء.
لم نعد نحب تحية "صباح الخير"
لم نعد نحب سعاة البريد.
تركنا خلف ظهورنا قطيع الوعول يموت من الظمأ،
أصابنا الصدأ
ولم ندرك بعد بأننا تعطلنا في منصف العمر،
وبأننا انحدرنا إلى الغياب وأرواحنا تواطأت
مع الخواء والفراغ.
أَنشتاق يوماً إلى عصافيرنا التي تركناها هناك
أَنشتاق يوماً إلى شقاوة الأصدقاء
أَنشتاق يوماً إلى أهلنا وصورة أختنا الكبرى؟!
لم أعد واثقاً،
لم أعد أدرك هذا الإرتخاء الذي في أضلعنا
لم أعد واثقاً من شيء،
لأننا تركنا خلف ظهورنا
قطيع الوعول يموت من الظمأ.

هنريك نوردبراندت
لا تفتح حقيبتك!
فقد تُضطر بدون وعي لبعثرة محتوياتها
لدرجة أنها تغريك لترى شكلا
مثل الحروف في كلمة : وطن.
حيث هناك شيء ما مفقود في التناظر
قد ترغب في جلب زريعة
تسقيها و تبدأ التعلق بها.
لا تفتح حقيبتك!
فيمكن أن تندلع الحرب. أو ما هو أسوء:
يمكن أن توهم نفسك بأنك عشقت
و كأية عاقبة لا يمكن تجنبها
تنتقل إلى شارع له اسم
فالشوارع ليست كما هي الآن مجرد شوارع
بل حركة المحكومين بالإعدام.
لا تفتح حقيبتك! فإنه من الأفضل
أن ترتدي ثوبا مدعوكاً
من ثوب كان معلقا في شرفة
مطلة على بعض الجزر الضبابية
و قد كوته يد حنونة،
أن تشمَّ رائحة النفتالين أفضل من وردة الخزام
يمكن أن تعتقد أنها وردة.
لا تفتح حقيبتك! أتركها مركونةً
إلى جانب الحائط في غرفة عارية
حيث هناك مصباح كهربائي
لا تدع نفسك و لو للحظة واحدة تشك في
مَنْ أنت و أين تقيم على هذه الكرة الأرضية
لا تفتح الحقيبة! و لا للحظة
قبل أن تعرف أنك يمكن أن تتخلى عنها تماما.
وإلا فدعها مركونة