امرأة أحببتها ..
تحب فلسفة سنتيانا . وموسيقى ريتشارد فجنر . زارت مدريد مرتين ، وبكلمات مبحوحة تمتمت على قبر فيديركوغارسيا لوركا . حصل ذلك عندما فازت بقصتها الأخيرة " نهابة سعيدة " . وعندما تزوجت .
تزوجت من رجل هندي قليل القامة ، لكنه صاحب أعمال . وبشرته ما تزال بيضاء صادفها على ضفاف الخليج العربي . قرأ من سمرة خديها أنها عربية . وفي عينيها حنين آسيوي . خلعا ملابسهما . وتسبحا في مياه الخليج . وبعد شهرين تزوجا .. رجل عطوف أصلاً . فأخذت تتلو على مسمعه أشعار فولتير وبابلو نيرودا وأبي نواس . إلى درجة أرهفت إحساسه. فراح يمقت العنف ويدعو للتسامح ويوافقها الرأي . حتى فتك به السرطان.
درست علم اللاهوت في جامعة الكولج دي فرانس . وتعلقت بجيمس ورويس وفردريك نيتشه . حتى أنها زارت المارستان . وشاهدت السرير الذي كان يهجع فيه نيتشه فترة جنونه ...
ولكن السنوات تجري . بلغت الستين في مارس قبل الماضي . في حفل تأبين الزوج قالت " والآن لا شيء يزعجني . عندي ميناء أرسو به . بلدي . إنهم ينتظرونني بلهفة "
وصلت المطار وتريثت قليلاً . لعلهم علموا بقدومها . ثم قالت في نفسها " إنهم لا يتابعون الصحافة الأجنبية " جلست في الفندق نحو أسبوعين وضجرت ، لم يسأل عنها أحد ، نزلت في المصعد إلى موظف الاستقبال . إنه الشيء الوحيد الذي يبتسم لها .
" أريد أن أعيش في قرية دافئة وهادئة " قالت . تبادله ابتسامة ذات فخامة " .
ولكن السنوات . إلى أين تجري .
قال لها سائق المركبة الصفراء : " هذا هو الغور . عليك أن تحذري. الناس هنا لا يموتون بسبب يد عزرائيل . الناس يموتون من الملاريا ".
" لعلهم لا يعرفون أني مشتاقة لهم "
وجلست في بيت حواليه ذباب وغبار . ظلت تقرأ الجريدة الرسمية كل صباح ، تنتظر وتشرب الشاي كما يفعلون . لكن الشيء الذي راعها هو صورة لامرأة تشبهها تماماً في الثانية والستين . معلقة في عرض الجريدة ، كتب أعلاها " دعوة للتعرف إلى جثة "
" لعلهم ... لا .. يعرفون "
-محمود العزامي-
Labels:
مجلة فوضويات-العدد الأول
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment