نحن الغاضبون من كل شيء ، وعلى كل شيء ، نحن المحبون لكل شيء ، المتعلقون بنا ، بالغياب ، والتردد ، والحروق ، نحن المزاجيون ، الفوضويون ، الطائشون ، المترددون ، المنهكون ، اللائذون ولو بسيجارة أو موسيقى أو سفرٍ بعيد ، أو بشتيمة ، أو بقهقهة ، أو سخرية من هذه الأرض السخيفة ومن فيها ، نحن هنا لنقول : لا نريد أكثر من أن نفتت صخرة الوقت .. سنحاول دوماً أن نحمي صدورنا من الضغائن .. " ألا فاللعنة على هذا العالم الوغد!




خلق الله ذات يوم عصفوراً صغيراً جداً ، فراح يبحث عن خشاش الأرض ، ولم يجد شيئاً يأكله فمات ، تكلس مع الزمن وأصبح حجراً صغيراً جداً ، ولكونه صغيراً ، ومنتوف الريش أيضاً ، أطلق الناس عليه "حصوة" استخفافاً بوزنه ، وبشرف أمه ربما ، لكنه أخذ يكبر شيئاً فشيئاً بسبب عوامل طينية ، أو إلهية ، لا أحد يدري ، لكنه بقدرة قادر ، أصبح كبيراً ، وحوافه العلوية يمكن الاستراح عليها بطمأنينة .
ويقال أن ثمة عاشقين ، مارسا الرعي قرب الحجر ، وكانا يلتقيان كلما خيم الليل جنحه ، يجلسان فوقه ، ويبوحان ، لا أحد يسمع بوحهما سواه، وحين كشف أمر العاشقة ، عوقبت بالضرب أولاً وبالقيد ثانياً ، أما العاشق ، فنحل جسمه كثيراً وأصبح فيما بعد يثير تقزز رجال ونساء المضارب ، أما الحجر فيمر عليه الليل والأشباح ، والصباح والمساء كأصدقاء قميئين ، وهو جاثم ، لا يعطي أحداً فرصة للنسيان ، أما العاشقة فمرت عليها صباحات كثيرة ، لكنها ناشفة ومتعبة ، ويقال أنها أخذت تذبل وتذبل ، حتى برزت عظام وجهها ، واسودت شفاهها الجميلة .
بقي الحجر يقف بعناد ، وكأنه يدعو الرعاة إلى شيء ما .
وعندما شوهد حالة العاشقة ، فك أسرها ، وأصبحت طليقة الأرجل والأيدي ، وأول شيء فعلته ، ذهبت إلى الحجر ، وجلست فوقه وبكت بصمت مدة من الزمان ، أما العاشق فبقي منغمساً في جنونه ، يقضي يومه في صيد العصافير ، ويجري خلفه لفيف من الأطفال فرحين مهللين وهو يضحك مثلهم ، ويقفز إذا قفزوا ...
وعلى ذمة الراوي وهو أحد الرجال ، قال : بلا مودة ، وبلا كلام كثير ، تممت العاشقة آخر أيامها ، وقال : إنها في الفترة الأخيرة كانت تبكي لأتفه الأسباب ، وتمتنع عن الطعام أيضاً ...

منذ ذلك العام والربيع يمر كل عام ، ويتبعه الخريف ، والصيف ، والشتاء ، والحجر ذاته يعلو التلة ، يكاد أن يزقزق ...

-محمود العزامي-

No comments: