نحن الغاضبون من كل شيء ، وعلى كل شيء ، نحن المحبون لكل شيء ، المتعلقون بنا ، بالغياب ، والتردد ، والحروق ، نحن المزاجيون ، الفوضويون ، الطائشون ، المترددون ، المنهكون ، اللائذون ولو بسيجارة أو موسيقى أو سفرٍ بعيد ، أو بشتيمة ، أو بقهقهة ، أو سخرية من هذه الأرض السخيفة ومن فيها ، نحن هنا لنقول : لا نريد أكثر من أن نفتت صخرة الوقت .. سنحاول دوماً أن نحمي صدورنا من الضغائن .. " ألا فاللعنة على هذا العالم الوغد!



".. كانوا يُسافرون في قطار – أذكر ذلك الآن- غالبني ماراودني مثل هذا الحلم – مثل الطبيعة الصامتة المرقّشة بأشجار صناعية زائفة مثقلة الأغصان بفواكه من الأمواس و المقصات و ادوات حانوت الحلاق المختلفة – أذكر الآن أنه كان يتعين علي قصي شعري – تراءى له ذلك الحلم كثيراً، لكنه لميثر قط ذلك الخوف في اعماقه. هنالك خلف أحدى الأشجرا و قف أخوه، الآخر التوأم، ملوحاً – حدث لي ذلك في الواقع في مكان ما - لكي يوقف القطار. و لما اقتنع بعبث الرسالة التي لوّح بها شرعَ وراء القاطرة الى ان سقَطَ لاهثاً و فد غطّى الزَّبد فمه. كان ذلك حلمه العبثي اللاعقلاني بالطبع، و لكن لم يكُن ثمّة مايدعوه لأن يحدث هذه اليقظة المزعجة. أغمض عينيه من جديد، ولايزال صدغاه ينبضان بدفع الدم الذي سرى هاتفاً في عروقه مثلما فبضة مُطبقة. مضى القطار الى منطقة جدباء، مقفرة، تثير الانقباض في النفس. جعله ألم أحس به في ساقه اليسرى يصرف انتباهه عن المناظر الطبيعية. لاحظ أنه في أصبع قدمه الأوسط- ينبغي ألا استمر في انتعال هذه الأحذية الضيقة. كان هنالك تورّم. وبصورة طبيعية، و كما لو كانت تلك عادته، انتزع من جيبه مفكّاً، وانتزع رأسُ الورَم به. وصغه بعناية في صندوق صغير أزرق- هل بمقدورك أن ترى ألواناً في الأحلام؟- ولمح متطلّعاً من خلال الجرح نهاية خيط دهني أصفر. جذبه دون ان يستشعر ضيقاً او ألماً. بعد لحظة رفع عينيه، فرأى عربة القطار خاوية و أن الوحيد الباقي في عربة أخرى من القطار هو أخوه، الذي يرتدي زي أمرأة، و يقف أمام مرآة محاولاً اقتلاع عينه اليسرى بمقص.

جابرييل غارثيا ماركيز



No comments: