نحن الغاضبون من كل شيء ، وعلى كل شيء ، نحن المحبون لكل شيء ، المتعلقون بنا ، بالغياب ، والتردد ، والحروق ، نحن المزاجيون ، الفوضويون ، الطائشون ، المترددون ، المنهكون ، اللائذون ولو بسيجارة أو موسيقى أو سفرٍ بعيد ، أو بشتيمة ، أو بقهقهة ، أو سخرية من هذه الأرض السخيفة ومن فيها ، نحن هنا لنقول : لا نريد أكثر من أن نفتت صخرة الوقت .. سنحاول دوماً أن نحمي صدورنا من الضغائن .. " ألا فاللعنة على هذا العالم الوغد!

عرش الخيانة



كثيراً ما يتحدث العاشق عن تعرضه للخيانة من الحبيبة، وغالباً ما تحكي العاشقة تعرضها لطعنة الغدر والخيانة من أقرب الناس
ولكن .... ماذا سيحدث لو اعترف أحدهم أنه هو الخائن؟ وماذا سيحدث لو أن هذا الخائن هو من سيكتب عن مشاعره؟
هذا ...ما لم نعتد عليه ...
***
فيما مضى .. كنت وردة صغيرة ...، أقسمت مع شروق الشمس على الحب الصادق ، وأمسيت على حفظ تراتيل الحب مع هبوط الشمس في البحر
تعلمت حروف الحب، وأتقنت التحدث بهذه اللغة ، حصلت على الشهادات العليا في هذا المجال، وتخرجت بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف في هذا التخصص!
أشبعت روحي الظامئة من ينابيع الحب ...
رفعت يدي اليمنى، وأقسمت في محكمة الحب على كتاب العاشقين، على وهب هذا الحب العذري الصادق إلى روحٍ تعادل روحي في النقاء والصدق
وضعت علامة حظراً على كلمة " الخيانة "، وجردتها من قاموسي ، وقطعت عهداً على نفسي ألا أجمع حروف هذه الكلمة معاً أبدأً " خ ي ا ن ة "
فإن دنست روحي بهذه الصفة، فلتحل أللعنة علي، ولتأبى نفسي الراحة حتى تزفر روحها من الجسد ولو كان ذلك عنوة!
كنت متيقنة أنني لن أخالف هذا الوعد، فأنا بطبيعتي ... أخشى همسات الرياح، يرعبني صوت تلاطم أمواج البحر، وبمجرد أن يلمسني أحد، فإنني انكمش ..وأضم نفسي بنفسي !
كما تضم الوردة أوراقها عندما تلمسها برفق.
تحقق نصف العهد ... ووهبت حبي (( إليه )) وسكبت روحي الصافية في روحه، انسكاب الماء الصافي من دلو قروية تسكن في قرية صغيرة فوق الجبال
ولكن!
لم يدم هذا الحب حتى تخلى عني، وخلّف وراءه قلباً ... تعلم طقوس الحب ودرسها وحفظها عن ظهر قلب، ولكن لم يمارسها حتى الآن ... ولم يبدأ النبض معه
تخلى عني ... بعد أن ارتوى من أنهاري حتى طفح!
في نظري، هو لم يقوم بخيانتي، ولكن تخليه عني ... هو نوعٌ أصنفه تحت كلمة " الخيانة "
انقلبت موازيني، كانقلاب قاربٍ صغير وسط عاصفة هوجاء ..
فبعد كل ما وهبته من مشاعر وأحاسيس
تنكّر لي ونفر مني، نفور الطفل من الوحش الكاسر
وأنا من كنت أظن أنني الأم له ..
بعد ما حدث ... وبعد ما عشت طقوس العزاء، واستمر ارتدائي لثياب الحداد مدة طويلة ... حتى شابت فيها مشاعري الغِضة ... وشاخت قبل أوانها ...
حلّت مكان مشاعري النقية الخيّرة، مشاعر سوداء قذرة!
فكرهته!، وكرهت رجال الأرض ...... فهو منهم ... وجميعهم مثل بعض ... هم نسخٌ تتناسخ مشاعرهم ورغباتهم دون أشكالهم!
لذا .....، رميت كل ما حصدته بجهد في مزرعة الحب، وأحرقته بين حقول البعد والهجران
وقررت أن أفتح صفحة جديدة سوداء ... في كتاب " عرش الخيانة"
تقلّدت بأيقونة " الخيانة "وبدأت أمارسها بجنون المجنون، حد الجنون ذاته!
كان يعتقد (( أنه )) ترك طفلة لاهية حزينة، ولا يدري أنه ترك (( أنثى )) محطمة تعيسة
بدأت ألقي الأوامر على مشاعري - الخدم - في البدء في بناء قصر الخيانة بصف طوب الكذب كأساسٍ للقصر، وأمرت أن يقوموا بفرش الممر ببساط يتلوّن بالمجاملات والكلمات المعسولة، وأطلقت في القصر عصافير ملونة تغرد في أرجاءه بصوتٍ مبحوح ساحرٍ قاتل
وألقيت الطرب في حديقة القصر
وهي في الواقع سيمفونية مطرٍ حزينة تهطل حوله
وبعد أن غيّرت ما حولي ..
غيّرت نفسي ..
رششت على صدري أحلى العطور، وأخذت منحنى الرجال ... وسرت بينهم مرتديةً عباءة المكر والدهاء
وبسذاجتهم جميعهم تبعوني كالذئاب الجائعة التي تنتظر الانقضاض على فريستها في أي لحظة!
لم يفقهوا هؤلاء المساكين أنهم وقعوا في الشباك، مذ أول خطوةٍ خطوها بجانبي ..
ولقد أجدت التمثيل بكل براعة، فقمت بمداعبتهم بحنانٍ بأناملي وربتّ عليهم بعطفٍ ورقة ولبست عدسات الطهارة في نظراتي ... وأوهمتهم أنني الحبيبة المختارة المنتظرة ..
جعلت كل واحدٍ منهم، يغرق وهو نائم في بحر عيني، أصبته بالعمى عندما يتأمل لمعان عيني، أصابه السكر عندما يسمع صوتي ....... ويجن عند رؤيتي!!!
وبعد أن أحوّطهم وأدخلهم إلى قصري ... رغبتاً في ممارسة الحب المجنون، أُطلق جنود حقدي عليهم
فأقوم بذلك بطعن قلوبهم، وأدمر مشاعرهم، وأحطم آمالهم، وأقيّد أمانيهم، وأحرق أحاسيسهم، وأوقظهم شر يقظةً من سباتهم الغبي مثلهم!!
تملأني النشوة، واستمتع بتجرع كؤوس آهاتهم وحسراتهم وآلامهم ,,,
أقودهم إلى زنزانتي .... فأظل أعذبهم ... حتى تتعب الروح، فتغادر الجسد بعد أن ضاقت ذرعاً! ..
فتتعفن جثثهم ... ولا يبقى منهم، سوى أرواحهم التي تظل تحلق حولي
وحتى أرواحهم، لم ترتح مني!، فهي مكبلة بسلاسل عشقي الخائب، لذا فعملية طيرانهم تكون بين جدران قصري البارد .....
أسمع تساؤلات أحد هذه الأرواح فيقول:
" ألستُ أنا من تحبني؟؟ "
فترد روحٍ أخرى:
" بل أنا من تعشقني!! "

.
.
تتجلى على وجهي ابتسامة فخرٍ.... فحتى أرواحهم ، تتخبط بين جدران الأسئلة!
أجلس بفخرٍ على عرشي، وفي يدي كأساً من دمائهم أحتسي منه حد الارتواء
وبالطبع ... جميع هذه الأرواح تخضع لمحاكمة عادلة! في محكمة الأوهام
لنرى مجريات أحداث إحدى المحاكمات التي قامت مؤخراً !:

.
.
.
تقتاد روحٍ ، حتى تنتصب أمامي بانكسار!
تتحدث إلي بصوتٍ مرهق : " لِمَ لا تحبينني؟، مهما يكن ماضيك أسوداً ، فأنا سأغفر لكِ، وسأتغاضى عنه، سأهبكِ ما تريدين .... المال ..... المنازل الفخمة ...، السيارات الفارهة ....أي شيء! وكل شيء!
وأن شئتِ ........... سأهبكِ نفسي! "


انظر إليه بعينِ حزينة كاذبة ..... ثم أشير إلى حراس القسوة بأن يقتادوا هذه الروح إلى حبل المشنقة ..
فأظل أسمع توسلاتها، حتى تختفي مع صراخ الأرواح المكبلة المحلقة حولي

.
.
.
تتقدم روحٍ أخرى وتبدأ الحديث بيأس:
" لو شئتِ أن تمارسِ الخيانة مع من شئتِ، فلكِ ذلك .. ولو كان مع مئة رجل!
فقط أريدك أن تثقي بي .... فرضاك هو ما أسعى إليه، اختبريني ... وكل ما تريدينه هو لكِ قبل أن تنطق شفتيك به ........... حتى نفسي .... "

أحني رأسي للحظات ... وأتظاهر بالتفكير العميق، وبعدها أنظر إليه، ثم ألقي نظرة إلى حراس القسوة وبسرعة يسحبونه مع صرخاته ... حتى يتلاشى صراخه مع آهات الأرواح التي مازلتُ أسمع دعائهم بنيل العفو مني!
.
.
.
تأتي الروح الأخيرة، وهي بالطبع ليست آخر الأرواح! ، تقول لي وهي ترتجف :
" لا أريد شيئاً منكِ ....، لا أريد شيئاً ........... أريدكِ أنتِ ... فقط أنتِ ..... ولكِ نفسي إن أردتها ! "


أهز رأسي آسفة عليه بصدق .... وأشعر بالغضب يجتاح حصوني بخيوله الهائجة فأرفع رأسي وأصيح بالحراس بقوة: أبعدوه عني!! ، أبعدوه عني !!!

فأسمع بكاءه ، والحراس يركلونه ويقومون بضربه بقسوة ...ينتهي بكاءه بصرخة تهز أركان القصر، فتتجمع الأرواح مع بعضها البعض وتزيد من الدعاء، ويزيد ارتجافها، حتى تشعر بارتجاف الرياح معهم تحاول أن تخفف عنهم! ....

أرفع رأسي وألقى نظرة رعبِ في أشباح قلوب هذه الأرواح!
استنشق بعمق هواء الغدر ..... فأشعر به يملأ رئتي وبعدها أزفر صياحهم ونحيبهم وبكاؤهم ....
ابتسم ابتسامة نصر عظيمة .....
أصيح بهم بأعلى صوتي :
" أرأيتم؟؟؟؟ جميعكم تسعون إلى إشباع رغباتكم ونزواتكم القذرة!! "

.
.
نعم .... جميعهم ... حتى وهم أرواح! ...، إنهم ينتظرون مني كلمة، حرف، همسة ...... حتى أحررهم من القيود ...حتى أعيد الحياة لهم .... حتى أعيد ترميم قلوبهم مرة أخرى ... وأعيد طلاء قلوبهم بلون حبي وعشقي ....
جميعهم يسعون لنيل رضاي ... يتراكضون أمامي ... لتلبية أوامري، ينتظرون مني أمر .... فيسرعون في تلبيته ....
يركعون عند قدمي رغبة في طلب العفو مني ......
وجميعهم أيضاً ... وهبوا أنفسهم لي!!
.
.
ولكني على الرغم من تربعي على عرش الخيانة، إلا أنني لم ولن أهب نفسي لأحد .....
فأنا الآن جامدة المشاعر، صلبة، متبلدة الأحاسيس، باردة الملامح ...
كل هذا، تغير بعد أن ألقيت قلبي في سلة مهملات الهجر
وليس لي أي رغبة في تكرار تجربة الحب مرة أخرى ......
أتذكر ...... أن أحداً همس لي وقال لي كما قال نزار قباني من قبله :
" حبكِ يا عميقة العينين، كالولادة والموت، صعبٌ أن يُعاد مرتين! "
وأنا كذلك ................. وأشعر بالزهو أنني أمثل قولاً كاملاً رائعاً من شاعر المرأة!
.
.
ولكن رغم انتصاري الساحق على الرجال، إلا أنني أنشد الراحة .....، الراحة الأبدية ...
فأنا متعبة ..... متعبة جداً ....
.
.

وأشعر أنني أستحق أن أكون أميرة الخيانة .... ومن الأفضل أن أكون قدوة لجميع النساء اللواتي تعرضن للخيانة والهجر والنسيان !
.
.
.
.
.
لقد لعبت اللعبة جيداً ....
واستطعت نثر الكلمات على الرجال بمهارة، كما ينثر لاعب الورق الماهر أوراقه على طاولة الذكاء!
.
.
ولكن
هنالك سؤال أشعر به بين ضلوعي، يكبر ويكبر ..... حتى الألم ...
" متى سيتوقف هذا الجنون ؟ "

-دمية-

No comments: