أيها الوجه الذي أعرف .. وجهي كان معروضاً بسوق الضاحية ..وأظن الماء مرمياً على قيثارة الصخر ، على جوعٍ وظلٍّ بين عينيها ، ودمعي .. ذلك المنسي مذ كنت أنا !أيها الوجه الذي أعرف من منا ينام الآن في نصف سريري ،يقسم الغفوة بيني ، بين أصحابي القدامى ، أصدقاء القلم المكسور في بوابة الصحراء .. قيسٍ وامرئ القيس ، وبشار بن برد ، ومن الطفل الذي يبكي كثيراً بين أطفالي ، وليس ابني ، وليس الوجهُ ذات الوجه ، خوف الماء بين الصيحة الأولى ..وخوف الأرض في عطشى السواقي !ها أتى الثلج وحيداً يغرف الكحل لنا من جفن قنديلٍ يغطي زرقة الفحم وكفّ العتبة ..كان في الكوخ عجوزٌ تغزل الخوف لنا ذئباً شديد الصوف خلف النافذة ، وأنين الثلج من خلف الزجاج امرأةٌ مكسورة الرأس ، أليفٌ قبحها ..لا تعرف الوجه الذي قد كنت يوماً!أيها الوجه الذي أعرف ، قلت : جلد هذي الأرض أخضر ..لونها بدرٌ وشمسٌ ، كل يومٍ بين عينيّ ستكبر ،فتنتي طينٌ ، وطعمي غارقٌ في كل رعشة ،فاكتب اسمي ، إنني طيرٌ غبيٌّ باع عرشه!قل لصوتي : منذ أن كنا وكان الطفل يلهو بالوسادة .. كان لي ماضٍ وآت ، وتظن الريح إعجابي بها صمتاً .. وموتي قبلات!قل لصوتٍ ناعمٍ ينسى بلاده :لك وجهٌ غارق في المهملات!
مقعدٌ شاغر للهرةقبل حافلتين من الوقت أهديتها مقعداً بائساً ،لم يكن لائقاً بالوقار الكوّم في صمتها ..أيها الشارع اكنس رصيفك قبل مرور الصباح " فلم يبق إلا كلانا" !كان في الليل متسعٌ للملل – مرحبا ، مرحبا ..أي نوعٍ من الصمت يحرسها من حديثي فتضطر – راضيةً – للتحجّر ..ربما ليس لي أن أحدثها قبل أن أتخلص من آخر امرأةٍ في دمي!أي نوعٍ من الانتظار يحيط بها ، لا تحدق في معصم اليد ، لا تسأل الحاجبين عن الحافلة ، لا تقدم قبضتها ، لا تؤخرها ، وتقلب لحم الدقائق في جسدي!كان لليل أوراقه في الفضيحة : واثقةٌ أنت أني أراك بدون قميصٍ ..ولست جريئاً لألمس منك ولو مخلباً!(سأكون سعيداً إذا ناصفتني اضطرابي من الشارع المزدحم)لن أكون وحيداً إذا كنت في غرفة الضوء ..الملابس أكذوبة ، لا تقاد النوافير : لكنها ترتدي معطفاً أسدياً ،لتدفع عنها كلاب الشوارع ..بعد حافلتين من الصمت كان الفراغ مليئاً بلا شيء – مثل الهدوء ..مقعدٌ شاغرٌ لم يكن لا ئقاً بالهدوء المكدس في فروها!
ينهض الماء في حلقات الينابيع ، بين دفوف الضفاف ، ويرقص إذ مرّ صوتك ..أنحل من أنّة امرأةٍ بكرها عالقٌ بين فرعي شجر !ينهض الماء .. واقفةٌ موجة الفجر ، عطشى تشكل أجنحةٍ من تراب ..واقفٌ وجهك الفوضوي ، جميلٌ يذكرني أنني متعبٌ ، مثلما كنت متعب!كان صوتك أجمل من غبطة السنديان إذا احتضن البلبل العربي ..وأسلم قامته للرياح!كان صوت الصباح يفرّ من الشمع إلى آخر حقلٍ يوهج سنبله دورة الشمس ،حيث تدب الحياة بأنثى بعيدة ..كنتَ آخر رمانةٍ عربية !تتعرى من العيد ، إذ ينثر البرد أطفاله في عظامك ، ثم ينام على غيمةٍ خلف جفنيك مستلقية ..لم يكن ذاك شيئاً ، وعيدك أضيق من فتحة الباب حين ترى طفلةً ،تلتقي الموت أول يومٍ لها في امتحان البراءة!الربيع الذي مرّ من قبل عامين يعرفنا :- ما الذي يشبه العيد؟- وجهي ، وأنثى تقدم في سكّر الفجر رغبتها لاصطفاق الشجر ..
لقلبي الذي قدّ من حافر الخيل رائحة الأقحوانة بعد اخضرار دموعي على وجهها المرمري ، لقلبي الحكايات ترفع سرّي فأنقشها في المرايا التي تشتكي كالنساء ..تلفّ على الليل .. حلّفتها أن تريق البراميل في تعبي حقلٌ صغير!تعودين أحلى من النهوند الحزين ، بنفسجةً لظلال البرد ،تعودين أشهى من الرحلة العبثية في أول العمر ، أجمل من بطةٍ في البحيرة ،خاملةٍ نسيت ريشها في مياهٍ ألاقيك فيها ..ننام وأحلامنا لا تزال تعاتبني : لست وحدك فانهض من الصمت ، تنكسر الأحجية ..وفي حلمٍ ليس يشبه وجهي أرى عربياً ، يهاجر نحو المدينة ..كان أخوه يقول لخادمةٍ : أعطه من صفاتي ، ومن ألمي لقةً كالرغيف !رأيت العراق يلاحقه النهر ، كان الأب الصب ينهك زوجته ، وتئن له :- طفلنا هل يموت؟- سأنحب إن شاء ربك غيره ..(رأيت الصبي يقدم ضحكته في العزاء)
-ميزو-
No comments:
Post a Comment